تمهيد للعدد

 

بعد برلين وباريس وبيروت، هذه هي المحطة الأخيرة في سلسلة أعداد من مجلتنا تركّز على مدن تزخر بحضور فني سوري بارز. مسك الختام هو عودة إلى المنتهى والمشتهى، واستعراض شامل للفنون البصرية في دمشق. إنجاب هذا العدد لم يكن سهلاً على الإطلاق. فكيف لنا أن نتكلّم عن الفن في بلد ينهشه العنف؟ بل وكيف لنا أن نبدأ الحديث عن دمشق أصلاً؟ عن أم الحضارة؟ كيف نقدّمها بعد أن أصبحت ابنة الحرب؟ وكيف نسرد حكاية مدينة معلَّقة بين الأحياء والأموات؟

 

أثناء التحضير لهذا العدد من المجلة، كانت رغبتنا أن نقدّم مواد متنوعة تسبر أغوار الماضي وتستعرض الحاضر وتستشرف المستقبل. ولهذه الغاية، لم يكن هناك أفضل من خالد خليفة الذي يستهلّ رحلتنا الدمشقية مع "جدران دمشق العارية" التي يرسم فيها بقلمه صورة رثائية للمشهد الفني في العاصمة، ثم نغوص في "تاريخ تأسيس الجمعيات الفنية بدمشق" مع لبنى حمّاد الفائزة في "جائزة الكتابة الفنية من مؤسسة أتاسي". وعبر الاستعانة بمواد أرشيفية موسّعة وتركيز على الفترة الممتدة من نهاية القرن التاسع عشر وصولاً إلى انعقاد المؤتمر العربي الأول للفنون الجميلة في دمشق عام 1971، تستعرض الكاتبة الدور الذي اضطلعت به الجمعيات الفنية على الدوام في تشجيع ودعم الفنانين السوريين.

 

يضمّ العدد بين ثناياه أيضاً مقابلة مع عُمران يونس يتحدث فيها عن لوحاته النازفة ويقصّ علينا كيف تعكس أعماله مشاعر الرعب ورموز وحشية الحرب. كما يُسعدنا نشر مقابلة مع يوسف عبدلكي أجراها معه صديقه الفنان فادي يازجي. يأخذ الحوار بين هذين المبدعَين شكل دردشة فنية في أحد أركان الاستوديو يناقشان فيها سطوة الضوء على أعمال عبدلكي، وما تركته التعبيرية من بصمة على أسلوبه الفني، وما تخلّفه الأوضاع الراهنة من أثر على جيل كامل من الفنانين الصاعدين، وهو ما يقول عنه "لا شك أن الأيام والسنوات القادمة سترينا من أعمال الفنانين السوريين الشيء العميق والبديع، استجابةً لهذا الحدث المزلزل لبلدنا وللمنطقة بأسرها. فالأمر يحتاج للتبصّر، كما أنه يحتاج للوقت".

 

صدى كلمات عبدلكي يطرح تساؤلاً مشروعاً: كيف يمكن للفنان أن يطوّر أدواته وهو يعيش في دمشق اليوم؟ يحاول علاء رشيدي تقديم بعض الإجابات في مقالة تستعرض الحركة التشكيلية في سوريا منذ عام 2011. ولا يختلف اثنان على استحالة أن يبقى الفنان بمعزل عما يجري من حوله، وهو ما يظهر جلياً في مقالة مصوَّرة بعدسة ريم الخطيب التي تصحبنا في جولة شاعرية وحميمية على دمشق وسكانها، وكذلك في مقالة تستعرض أعمال النحاتَيْن صفاء الستّ ويامن يوسف، بالإضافة إلى مقابلتين مع الرسامين طارق بطيحي وحسام بلان. كلنا أمل أن يُقدِّم هذا العدد من المجلة بما يشتمل عليه من أعمال لفنانين مبدعين ومقالات خليفة وحمّاد ورشيدي إضاءة حقيقية على ما تعيشه دمشق اليوم من لذة وألم.  

 

لا يختلف اثنان على أن القلب النابض لأي مشهد فني هو الفنانون أنفسهم، ولذلك نفخر بإطلاق النسخة الأولى من مزاد الفن السوري المعاصر بالتعاون مع ArtScoops. يمكن تصفح كاتالوج المزاد هنا. كما يُسعدنا الإقبال الكبير الذي لاقته "جائزة الكتابة الفنية من مؤسسة أتاسي"، ونحن ممتنون لكل من تقدم ولجميع الأقلام التي شاركت. ترقبوا النسخة المقبلة من الجائزة.

 

شيرين أتاسي وآنّا-والاس ثومبسون

"أبحثُ عن إجابات وأنا أبحث عن أصدقائي الباقين"

-خالد خليفة