تعليم الفن في سوريا، التأسيس والمسارات اللاحقة

شهدت سنوات الستينيات منعطفاً هامّاً في تاريخ الحركة الفنيّة في سوريا، فبالإضافة إلى نشوء الصالات الخاصّة ونشاط الجماعات الفنيّة، يسجّل العام ١٩٦٠ تأسيس المعهد العالي للفنون الجميلة والذي تم تحويله إلى كلية عام ١٩٦٣. لقد جاءت ولادة هذه المؤسسة التعليمية متأخرةً بالنسبة إلى تاريخ تأسيس جامعة دمشق، إذ كان للظروف السياسية والاجتماعية دوراً ممهداً لتأسيس الهيكليات التعليمية وتفاوت ضرورة إنشاء كل منها. تستكشف هذه المقالة المناخات الثقافية التي أفضت إلى إنشاء كلية الفنون الجميلة في دمشق وبنيتها التعليمية، فتستعرض بعض المحترفات السابقة لتأسيس الكليّة وتسلّط الضوء على تاريخها المعماري والتربوي. وتقدّم نظرة إلى الخبرات المحلية والعربية والأجنبية التي عملت في الكليّة ومناهج التدريس المعتمدة في البدايات، والإشكاليّات التي واجهتها، وانتقالها من مبنى إلى آخر حتى الاستقرار في بناء البرامكة الجديد عام ١٩٩٠. تتطرق المقالة أيضاً إلى أبرز الكيانات التعليميّة المرادفة لكلية الفنون سواء كليات الفنون التابعة للجامعة الحكومية أو كليات الجامعات الخاصة والتي استحدثت بدايات القرن الحالي، بالإضافة إلى المعهد التقاني للفنون التطبيقية داخل قلعة دمشق، ومراكز الفنون الجميلة في دمشق والمحافظات السورية، وتستعرض أخيراً النظام الدراسيّ في الكليّة خصوصاً منهجها العملي وتوزيع الاختصاصات.

في الواقع، ينطوي استكشاف تطور العملية التدريسية في كليّة الفنون الجميلة والكيانات الرديفة المعنية بتعليم الفن في سوريا على صعوباتٍ عدّة، خصوصاً فيما يتعلّق بالفترة الواقعة ما بين ثمانينيات القرن الماضي وحتى اليوم، وذلك بسبب ندرة المراجع التوثيقيّة واستحالة المعاينة ميدانيّاً في ظلّ استحالة العودة إلى أرشيف الجامعة من أجل الاستقصاء والبحث بشكل عملي وشفاف، نظراً للظروف القاهرة التي تشهدها البلاد منذ عام ٢٠١١. لذا كان لابدّ من اللجوء إلى المحفوظات الشخصية، وقد استندت المقالة بشكل أساسي إلى أرشيف الفنان المعلم محمود حمّاد[1]، أحد مؤسسي كلية الفنون الجميلة منذ تأسيسها، وعميد سابق لها بين عامي ١٩٧٠ و ١٩٨٠، إضافة لكونه من أبرز المؤثّرين في الحركة التشكيلية في سوريا. كما تم الاعتماد على الشهادة الشخصية من خلال تجربة الدراسة  بين عامي ١٩٩٦ و ٢٠٠٢ ثم العمل معيداً في قسم النحت في كلية الفنون الجميلة بين عامي ٢٠٠٢ و ٢٠٠٧م، وذلك من أجل استكمال بعض المعلومات.

قبيل تأسيس كلية الفنون الجميلة في دمشق

لم يكن من أولويات الانتداب الفرنسي على سوريا (ما بين عامي ١٩٢٠و١٩٤٦) نشر الثقافة الفنية وتعليم الفنون الجميلة على غرار مدرسة الفنون الجميلة التي كانت قد تأسست في باريس منذ عام ١٨١٧. تركّز الاهتمام على الفنون والحرف الشعبية والآثار، فأسّست سلطة الانتداب  عام ١٩٢٢ "المعهد الفرنسي للفن والآثار الإسلامية"  والذي استقر بدايةً في قصر العظم الدمشقي، وقد جاء «اختيار القصر البهي مقرًا للمعهد، قرارًا خالصًا للجنرال غورو الذي كان، على عادة أهل الانتداب، مغرمًا بآثار البلاد المنتدبة وفنونها، نظرًا إلى أثر جمال الفنون والعمارة العربية القديمة في بثّ بروباغندا "عظمة" من انتدب نفسه عليها.[2]» استضاف المعهد فنانين فرنسيين، وقدّم َدوراتٍ في الحرف اليدوية التقليدية، بما في ذلك دورات في تقنيات النحت على الخشب والجص بالإضافة إلى أعمال الزجاج والسيراميك وتقنيات النسيج المختلفة.

في المقابل، كان هناك بعض المساعي المستقلة من قبل السوريين والتي اهتمّت بتعليم الفن في تلك الفترة مثل "نادي الفنون الجميلة" في سوق ساروجة منذ عام ١٩٣٠، حيث كان الفنان الرائد توفيق طارق (١٨٧٧-١٩٤٠) يدرّس فيه الرسم، كما ضمّ النادي فروع الموسيقى والتمثيل والتصوير الضوئي. ظهرت أيضاً في بداية الأربعينيّات من القرن الماضي، بعض التجمّعات الفنيّة المستقلة مثل "ندوة الأندلس للرسم والأدب" ومحترف "فيرونيز" كأول تجمّع لفنانين تشكيليين كان معظمهم يعمل في تدريس مادة الرسم في الثانويات الدمشقية، وقد انبثق عن هذا المحترف لاحقاً "الجمعية العربية للفنون الجميلة"، التي عُنيت بتعليم فنّي الرسم والنحت. كما تأسست "الجمعية السورية للفنون" في بداية الخمسينيات والتي دعمت النشاطات الفنية والأدبية[3]. لكن لا بد من القول أن هذه الجهود لم تسهم بشكل مباشر في إنشاء الكليّة رغم الحاجة الملحّة. وللاقتراب من الظرف السياقي نستحضر كلمة الفنان أدهم إسماعيل التي ألقاها بمناسبة افتتاح معرض فني لطلاب ثانوية الميدان على مدرج جامعة دمشق، والتي نشرت  في الصحافة السورية عام ١٩٥١ والواردة في كتاب «الفن الحديث في العالم العربي: وثائق أساسية» حيث أكّد فيها اسماعيل على ضرورة إنشاء مدرسة أو معهد للفنون الجميلة على أسس حديثة أسوةً بالبلدان العربية التي سبقت سوريا إليه فيقول: «إن في مصر والعراق ولبنان معاهد عالية للفنون الجميلة بل وزارات خاصة يلجأ إليها ذوو المواهب الفنية لتلم شغفهم وتكوّن منهم قوة فنية لا يستهان بها . ونحن لم نزل نفكر بإنشاء مدرسة للفنون الجميلة، ولكن على أسس قديمة لا تلبس أن تتداعى أمام تيار العصر الحديث. يجب أن ننشئ جيلاً جديداّ من الفنانين الشباب يقتبس أروع ما في فنون الغرب وأعمق ما في روحانية الشرق.[4] ». والحقيقة أن هذا الطرح البنّاء لم يكن سهل التحقيق، فالفترة التي تلَتْ استقلال سوريا عن الانتداب الفرنسي عام ١٩٤٦ وحتى عام ١٩٦٣، تاريخ سيطرة حزب البعث على السلطة في سوريا وما يعرف بثورة الثامن من آذار، كانت مرحلة انتقالية زاخرة بالأحداث السياسية والانقلابات العسكرية التي شكّلت هوية سوريا الجديدة.. ولابدّ أن تلك التخبطات السياسية، بالإضافة إلى نقص الكوادر والخبرات وضعف الإمكانيات وعدم ترسّخ القناعة لدى جهاز الدولة بأهمية الفن ودوره في المجتمع، دوراً في تأخير نشوء الكيانات الرسمية المسؤولة عن تعليم الفن. فعلى الرغم من النواة الأولى لجامعة دمشق، الجامعة الأقدم في سوريا، تعود إلى عام ١٩٠٣، لم يكن هناك مؤسسة رسمية تعنى بتدريس الفن قبل عام ١٩٥٩، وكان على الفنانين أو المبتدئين السوريين الراغبين في دراسة الفن السفر إلى عواصم الدول الغربية للتدرّب، حيث اتّجه معظمهم إلى روما وباريس أو إلى القاهرة التي ضمّت مدرسةً للفنون الجميلة منذ عام ١٩٠٨.

تعليم الفن في سوريا، التأسيس والمسارات اللاحقة - Features - Atassi Foundation

 كلمة الفنان أدهم إسماعيل في المعرض الفني لثانوية الميدان عام ١٩٥١، من كتاب

Modern Art in the Arab World: Primary Documents, Moma : New York, 2018

تعليم الفن في سوريا، التأسيس والمسارات اللاحقة - Features - Atassi Foundation

ملصق مركز الفنون التشكيليكة، ١٩٦١، أرشيف سامي أرناؤوط

مراكز الفنون الجميلة الحكومية قبل تأسيس الكليّة  

على الرغم من تأخر إنشاء الكليّة، نشأت خلال فترة الستينيات عدد مراكز للفنون الجميلة في سوريا وكان الهدف منها وما يزال في القائم منها حتى اليوم صقل وتوجيه المواهب الشابة أو تهيئتها للدخول إلى الكليّة. ففي دمشق تأسس مركز للفنون الجميلة عام ١٩٥٩ في حي الروضة وسميّ حينها باسم الفنان توفيق طارق (١٨٧٧-١٩٤٠) وقد ضم آنذاك متحفاً صغيراً لأعمال هذا الفنان الرائد. انتقل المركز في منتصف الستينيات إلى ساحة الشهبندر وسميّ عام ١٩٦٨بمركز أدهم إسماعيل (١٩٢٢-١٩٦٣) للفنون التشكيلية. يُعنى المركز بتدريس الرسم والتصوير الزيتي والنحت والحفر والخط العربي. أما المبنى الأول فقد تم تحويله إلى مركز للفنون التطبيقية وقد أطلق عليه في عام ١٩٧٢ مركز أحمد وليد عزت (١٩٣٤-١٩٧١) للفنون التطبيقية، الفنان الضابط الذي درس في نفس المركز أواسط الستينيات. سعى هذا المركز في البداية إلى تنمية الصناعات الحرفية مثل الخزف والنسيج والشاشة الحريرية والحفر على الخشب وسكب البرونز. وبسبب تواجد المركز في منطقة سكنية استحالت لاحقاً مزاولة هذه الحرف ليهتم المركز مجدداً بفروع الفنون التشكيلية من نحت وخزف ورسم وتصوير وخط عربي. وفي حلب تأسس عام ١٩٦٠مركز «الفنون الجميلة» الذي سُميّ عام ١٩٦٨ باسم النحات الرائد فتحي محمد (١٩١٧-١٩٥٨).  درّس المركز في البدايات الرسم والتصوير الزيتي والنحت والحفر والخط العربي ولاحقاً التصميم الإعلاني كما يضم المركز متحفاً صغيراً لأعمال فتحي محمد. ونضيف مركز الفنان الرائد سهيل الأحدب (١٩١٥-١٩٦٩) في مدينة حماه الذي أنشئ عام ١٩٦١و الذي يضمّ اليوم ثلاثة أقسام وهي النحت، الحفر، والرسم والتصوير بالإضافة إلى تدريس تاريخ الفن والعمارة والتشريح الفني والمنظور الهندسي.  وفي حمص أُنشئ مركز الفنون التشكيلية عام ١٩٦٣ الذي حمل لاحقاً اسم الفنان صبحي شعيب (١٩٠٩-١٩٧٤) تكريماً له بعد وفاته. وكما المراكز الأخرى اهتمّ المركز بتعليم أصول الرسم والتصوير والنحت.

 

 

الواقع، لقد تفاوتت سويّة التعليم في تلك المراكز بين اختصاصٍ وآخر، حيث انصبّ الاهتمام على الرسم والتصوير على حساب النحت، حتى أن بعض المراكز لم يكن لديها مدرسين نحاتين حتى وقتٍ متأخرٍ. يشرح الناقد الراحل عبد العزيز علّون، في كتابه «صحراء النحت الواسعة والطريق إلى واحة سعيد مخلوف» عن الأسباب التي أعاقت إنتاج طلاب النحت، فعدى عن الموقف الاجتماعي من النحت، وافتقار الفضاء العام للنصب التذكارية،  لم تتوفر الخبرات التعليمية المؤهلة ويذكر مثال النحات جاك وردة (١٩١٣-٢٠٠٦) الذي كان مسؤولاً عن تعليم النحت في مركز توفيق طارق حيث ينتقد منهجه في التعليم القائم على التقليد ويكتب : «إن مثل هذا المنهج الفقير الذي أشرف على تنفيذه جاك وردة عجز خلال أربع سنوات عن جذب مواهب ناشئة، إن أبسط نقد قد نوجهه لمدرسي النحت قبل عام 1964 يكمن في أن فاقد الشيء لا يعطيه بل بالعكس يحير الطالب في دوامة من الأسرار5»

كلية الفنون الجميلة في دمشق

في عام ١٩٥٨ اتحدّت سوريا مع مصر تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة برئاسة جمال عبد الناصر. استحدثت حكومة الوحدة في العام ذاته وزارة الثقافة والإرشاد القومي، كما تشكّل في العام التالي «المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية» والذي كانت من إحدى مهامّه الأساسية تطوير الحركة الفنيّة والأدبية، وتقديم الدراسات والتوصيات للمسؤولين في تلك الفترة. كما أُحدثت في العام ذاته مديرية الفنون التشكيلية والتطبيقية وشغل منصب مديرها المؤرخ الفني عفيف بهنسي ( ١٩٢٨-٢٠١٧) والذي بادر مع الدبلوماسي والكاتب سامي دروبي ( ١٩٢١-١٩٧٦)، مدير وزارة الثقافة المركزي بالقاهرة  باقتراح إنشاء معهدٍ عالٍ للفنون الجميلة . دُعمت هذه المبادرة من قبل وزير الثقافة المركزية الكاتب والمؤرخ الفني ثروت عكاشة (١٩٢١-٢٠١٢) وصدر مرسوم بتأسيس المعهد من قبل الرئيس عبد الناصر.

 أُنشئ المعهد العالي للفنون الجميلة على غرار كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية في مصر السابقة له بعامين، فاعتمد المعهد مناهجها ونظامها الداخلي. بدأ نشاط المعهد فعليّاً عام ١٩٦٠، درّس فيه بحسب الناقد سعد القاسم بُعيد تأسيسه معلمون مصريون مثل أحمد أمين عاصم (١٩١٨-١٩٨٩)، مؤسس شعبة النحت، وعباس شهدى (١٩١٨-١٩٩٨) أستاذ التصوير، بالإضافة إلى الخبرات المحلية مثل محمود جلال (١٩١١-١٩٧٥) وجاك وردة (١٩١٣-٢٠٠٦) [6]. كان الوضع العام يزداد تأزّماً في زمن الوحدة، فهذا الاتحاد الذي آمنت به فئات عريضة من الشعب في القطرين ومنهم المثقفين والفنانين[7]، لم يقم على أسس متينة ومدروسة تراعي الاختلافات بين القطرين، مروراً بتمييز الخبرات المصرية على حساب السورية في كل القطاعات، وانتهاءً بالعنف وقمع الحريات المتجسد بالمكتب الثاني بقيادة الضابط عبد الحميد السراج. يتحدّث المؤرخ عبد العزيز علون في كتابه منعطف الستينات عن هذه الفترة فيقول «ولا بد من التأكيد على أن الإقليم الشمالي (سوريا) في أواخر سني الوحدة دفع بمئات المثقفين الذين تجمعوا في صالة الفن الحديث وفي معارض المراكز الثقافية وقد قرفوا الحديث عن السياسة والعودة إلى المعتقلات السياسية[8] » .عاد عميد المعهد حسين فوزي مع الكادر التدريسي إلى مصر بعد الانفصال، وتم اختيار المهندس المعماري عبد الرؤوف الكسم (١٩٣٢-) عميداً للمعهد العالي للفنون الجميلة. ورغم انفصال المعهد عن كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية إلا أن نظامها الداخلي بقي معمولاً به في المعهد وهنا بدأت تظهر بعد الإشكاليات الإدارية مثل  «كيفية تثبيت الأستاذ الذي لا يملك شهادات عليا ولكنه فنان يحتاجه المعهد. وكيفية التعامل مع فنان وصل مرتبة يجب معها أن يرتفع. وكان نظام كلية الاسكندرية ينص على أنه كي يرتفع الفنان عليه الذهاب إلى (بوزار) باريس فتم اعتماد هذا العرف[9] »

تعليم الفن في سوريا، التأسيس والمسارات اللاحقة - Features - Atassi Foundation

كلية الفنون الجميلة في دمشق، أرشيف الفنان محمود حمّاد، ١٩٦٥

في عام ١٩٦٣ أُصدر المرسوم التشريعي رقم ٨٤ الذي قضى بتحويل المعهد إلى كلية مستقلة للفنون الجميلة تابعة لجامعة دمشق[10].في تلك الفترة عاد إلى البلد عدد من الفنانين الموفدين الذين أكملوا دراستهم الأكاديمية في الخارج مثل  فاتح المدرّس، والياس الزيّات، وغياث الأخرس ليلتحقوا بالجهاز التدريسي في كلية الفنون الجميلة والذي ضمّ أيضاً بعض الخبرات الأجنبية  مثل النحات البلغاري تيودورف والبولوني زيبروسكي و الحفار الفرنسي بيير غوتييه Pierre Gauthier  والرسام الإيطالي لارجينيا La Regina الذي أثار جدلاً كبيراً في طريقة تدريسه للفن، حيث تحدثت الصحافة المحلية واللبنانية عن  تأثيره الكبير على الطلاب وتعصّبه لفن التجريد وفرضه على الطلاب. وهذا ما يذكره الفنان محمود حمّاد، الذي كان عضواً في مجلس الإدارة آنذاك، في رسالته الموجهة إلى الصحفي اللبناني فاروق بقيلي قائلاً: «الموّال الذي سمعنا ترداده منذ أمد في صحف دمشق، وانتقل الآن إلى بيروت، هو أن الكلية تعلّم الفن التجريدي (ولسنا هنا في موضع شرح أو تقييم التجريد) وأن الكلية تسير في خط مغلوط، وصاح أحدهم قائلاً بأنها تدرس الأصول المستوردة في الفن التي يساندها الاستعمار[11]» ويستطرد حمّاد في الدفاع عن نهج الكلية الحديثة معتبراً أن الهجمات التي طالت منهجية التعليم في تلك الفترة لم تعِ بالضرورة أهمية هذا  الانفتاح  في طرق التعليم. «إن حملة افتراء لا تستند إلى أي منطق تُشنّ على هذه الكلية، وقد اتُخذ لهذه الحملة كشعار موّالاً عنوانه لارجينيا، لا لسبب إلّا لأن لارجينيا إنسان واسع الثقافة يتكلم بصراحة وحزم. ولارجينيا ليس كلية الفنون كلّها، إنه أستاذ بين باقي الأساتذة الذين تضمّهم الكلية من عرب وأجانب وبينهم البولوني والألماني والبلغاري والياباني (...) وقد نوقش منهجه في مجلس الهيئة التدريسية مجتمعة، مناقشة طويلة ووُفق عليه بالأكثرية الساحقة، إذ أنه يتوافق في روحه ومبادئه مع أحدث أساليب التعليم الفني في العالم.[12]» 

تعليم الفن في سوريا، التأسيس والمسارات اللاحقة - Features - Atassi Foundation

المشروع النهائي لنراز علوش مع حماد وزيات وشورى ونبعة وجلال الخولي وعصام حماد وأرناؤوط ، أرشيف الفنان محمود حمّاد، ١٩٧٥

أقسام كلية الفنون الجميلة ومناهجها في البدايات

قُسمت الكلية إلى خمس شعب وهي: التصوير، النحت، الحفر، الزخرفة، بالإضافة إلى قسم الهندسة المعمارية الذي استقل عن الكلية عام ١٩٧٠ ليتبع كلية الهندسة في جامعة دمشق[13]. اعتمدت الكلية في مناهجها على تعليم الأساسيات التي يحتاجها الطالب لصقل موهبته وتوسيع إدراكه الفني وتنمية ثقافته. في السنة الأولى التحضيرية يتعلم الطالب عمليّاً قواعد التكوين ودراسة الأشكال الواقعية. وينتقل في السنة الثانية إلى دراسة وفهم تشريح الجسد البشري، وذلك من خلال رسم أعضاء الجسم منفصلة أو نحتها سواء عن موديل عاري أو عن نماذج جصية. كما يدرس نظريّاً اللون وتقنيات النحت والحفر والزخرفة وقواعد المنظور الهندسي والمساقط والتشريح وتاريخ الفن والخط بالإضافة إلى اللغة الأجنبية. يتخصص بعدها الطالب في الدراسة، فمثلاً في شعبة التصوير تعتمد المناهج على دراسة معمقة للجسد البشري بالإضافة إلى المناقشات مع الأساتذة لتوضيح القضايا الفنية والجمالية ومساعدة الطالب على تكوين هويته الفنية الخاصة. كانت مدّة الدراسة في كلية الفنون الجميلة خمس سنوات تنقسم إلى سنة اولى تحضيرية وأربع سنوات اختصاصية وقد تمّ تعديل هذه الخطة مرتين في السنوات اللاحقة، كما عُدّلت مدة الدراسة فاقتصرت على أربع سنوات.

ضمّت الكلية ضمن كوادرها أساتذة محليين وأجانب من تياراتٍ مختلفة، سواء من دول المعسكر الاشتراكي أو الدول الغربية، وأدى هذا إلى غنى وتنوع في أساليب التعليم كما ورد لدى حمّاد في الرسالة آنفة الذكر. ولذلك لم يسبغ الكلية طابعاً واحداً أو تقليداً جامداً، ولم يكن التعليم الفنيّ في بدايته منحازاً إلى اتجاهٍ أو تيارٍ معين على غرار بعض مدارس الفن التي كرّست نفسها لخدمة الأفكار والأهداف الأيديولوجية للأحزاب الحاكمة مثل الواقعية الاشتراكية زمن الاتحاد السوفيتي [14] وهذا ما وضّحه حمّاد عندما كتبَ «الكلية بعد هذا لا تعلم لا التجريد ولا التشخيص ولا الانطباعية ولا الرمزية. إنما يدخلها الطالب ليطّلع على أساليب التعبير عامة، ويختار ما يلائمه فيتبناه.[15] » وتجدر الإشارة أن هذه المنهجية المنفتحة لم تُستقبل دوماً بالترحيب، وهذا ما يفسر، بالإضافة إلى قضية لارجينيا، حملة الانتقادات الواسعة التي طالت مناهج الكلية والتي كانت تروّج لفكرة أن الطلاب يتعلمون التيارات المعاصرة القادمة من الغرب الاستعماري مثل "OP ART"  "POP ART" والدادائية إلخ..  لم ينفِ محمود حماد هذا التوجّه، بل دافع عن انفتاح مناهج الكلية الناشئة حديثاً، فمهمة الكلية التعليمية، بحسب حمّاد، هي تثقيف الطالب، وعليه فمن الضروريّ أن يتعرّف طالب الفنون على كل التيارات والاتجاهات الغربية المعاصرة دون أن يفرض عليه ممارسة أحدها «التعليم الفني لا يمكن أن يكون معادلات رياضية، وإنما هو فتح آفاق أمام الشباب ليختاروا طريقهم بكل حرية. كليتنا قائمة في بلد ينادي بالحرية ولا يمكن أن يكون التعليم إلا مرآة لهذه الحرية[16]» لكنّ مناخ الحريّة النسبيّ هذا الذي تحدث عنه حمّاد لم يدم طويلاً. فصحيح أن فترة الستينيات شكّلت منعطفاً حقيقياً في تاريخ الفن التشكيلي الحديث في سوريا، من استحداث كلية الفنون الجميلة ومراكز الفنون والتلفزيون السوري وصالات العرض الخاصة ونشاط الجماعات الفنية [17] ، إلّا أنّ السلطة الأمنية العسكرية كانت قد بدأت بالتغلغل في المجتمع السوري خلال هذه الفترة. ومع بداية الثمانينات بسط نظام الاستبداد سيطرته على كافة مفاصل الحياة بعد الصراع العنيف مع جماعة الإخوان المسلمين والذي انتهى بمجزرة حماه عام ١٩٨٢.

نظرة إلى تعليم الفن في الثمانينيات والتسعينيات

تنقّلت كلية الفنون الجميلة منذ تأسيسها بين عدة مباني، ولعلّ بناء ساحة التحرير الشهير كان أحد الأماكن المهمة في تاريخها قبل أن تستقر في بناء البرامكة عام ١٩٩٠. ويعتبر ضيق المراسم والمشاغل قبل الانتقال إلى البناء الجديد من مشاكل الكلية الجوهرية حيث لم تكن الكلية قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة لطلبة الفنون مما أثْر سلباً على العملية التدريسية[18]. في مقاله «مبنى جديد وتداعيات قديمة» أشار الناقد سعد القاسم إلى هذه المشكلة حين كتب: « في عام 1980، وكنّا طلاباً على عتبة التخرج في كلية الفنون الجميلة، زارنا فريق عمل تلفزيوني لإجراء تحقيق عن واقع الكلية، وكانت حماستنا كبيرة للحديث عن ضيق المكان، وعجزه عن تلبية متطلبات الخطة التدريسية، خاصة، وأنه في الأصل، مبنى سكني غير مهيأ لاستقبال ذلك العدد الكبير، نسبيا ً، من الطلاب الموزعين على خمسة أقسام…[19] » في الحقيقة، كان محمود حماد والذي كان عميدا للكلية بين عامي ١٩٧٠ و١٩٨٠  قد استشرف هذه المشكلة منذ البداية، ووضعَ نصب عينيه تنفيذ مشروع البناء المثالي لها كبنية قابلة لاحتواء الطلاب الجدد وتتوفر فيها، بالإضافة إلى محترفات الأقسام الأساسية، ورش لتعليم الفنون التطبيقية، وهو ما أوصى به حمّاد في اجتماع المؤتمر التربوي لتطوير التعليم العالي والجامعي عام ١٩٧١ «إن دراسة الفنون الجميلة تتطلب التفاتا خاصا للتطبيق العملي، وذلك لإخراج الأفكار من طور التصميم إلى طور التنفيذ، لذلك فان اللجنة أكدت على دور الورش و المحترفات المختلفة التي يجب أن تحدث في الكلية، منها محترفات الخزف والنسيج، والفسيفساء والحجر الصناعي، والخشب والمعادن والزجاج المعشّق، والمواد الاصطناعية وغيرها وذلك تمهيدا ليكون للكلية دور في المساهمة بتطوير أشكال الإنتاج الصناعي. إلا أن هذا التوسع الضروري في التطبيق العملي لن يتحقق إلا بإيجاد البناء المناسب الذي يجب أن يصمم حسب الحاجات التي تتطلبها طبيعة الدراسات المختلفة بالشكل الذي يسمح لهذا البناء بالامتداد والتوسع.[20] »  وبالفعل، تحقّقت مساعي محمود حمّاد، و وُضِع حجر الأساس لبناء الكليّة الجديد عام ١٩٧٧ بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لثورة الثامن من آذار. صُمّم البناء تحت إشراف حمّاد من قبل مكتب المعماري الإيطالي أماثي كوكيا فيني بالتعاون مع مكتب العمران في دمشق الُمَمثل بالمعماري عبد الرؤوف الكسم. وفي عام ١٩٩٠ أصبحت الكلية الجديدة في البرامكة جاهزة لاستقبال الطلاب.   

باستثناء هذه الخطوة الهامة والأساسية المتمثلة بابتداع كلية جديدة بمواصفات عالمية، لم تشهد كلية الفنون الجميلة في دمشق تطورات كبيرة. فلم يتم تطوير الخطة التدريسية أوالمناهج طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات، بل بدأت تظهر بعض المؤشرات منذرةً بالتراجع. على سبيل المثال تم استبعاد الموديل العاري، وأستُبدل بنموذج حيّ يرتدي الملابس، ولم يكن قرار المنع إدارياً أو رسمياً وإنما جاءَ من بعض الأساتذة من داخل الكلية بحجة تقليص الميزانية المخصّصة لحصة الموديل العاري والذي يعتبر تمريناً أساسياً في تكوين المعرفة والخبرة البصرية الفنية والتقنية. وبالرغم من أن هؤلاء الاساتذة يَدينون في مهاراتهم بشكلٍ أو وبآخر للموديل العاري، حيث تمرنوا على رسمه في السابق، فلقد اعتبروا أن فكرة الموديل العاري جاءَت مع تأسيس مدارس الفنون التي اعتمدت المناهج الأوروبية، وهي اليوم لم تعد تتناسب مع عادات مجتمعنا [21]. في الواقع ليس هناك من وثيقة متاحة تشير إلى آخر مرّة وقف فيها طلاب الكلية أمام موديل عارٍ، ولكن من المرجّح أن يكون ذلك قد حدث في فترة الثمانينيات التي شهدت عودة العقلية المحافظة. أثّر غياب هذا التمرين التشريحي الضروري في نتاج الفنانين السوريين الناشئين، خصوصاً النحاتين منهم، حيث يتطّلب ضبط الكتل النحتية عند تمثيل الجسد البشري معرفة بصريّة دقيقة ومراساً عمليّاً لتجنّب الأخطاء التشريحية.

أمّا عن القرارات التي دفعت إيجابياً بكلية الفنون في تلك الفترة فلا بد من الإشارة إلى قرار استحداث قسم للدراسات العليا عام  ١٩٩، الذي أتاح لخريجي كلية الفنون الجميلة متابعة الدراسة والتخصص لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه. لكنّ هذا المسار الهادف إلى تطوير البحث النظري بشكل أساسي، جاءَ محفوفاً بالمطبّات مثل ندرة الخبرات والكفاءات القادرة على الإشراف ومتابعة  طلاب الدراسات العليا، حيث لم تعنى جامعة دمشق بشكل مدروس بتوظيف وتأهيل كادر تدريسي لكلية الفنون بشكل دوري ومتناسب مع ازدياد عدد الطلاب، وذلك بالإضافة إلى عدم وجود قسم متخصص بالدراسات النظرية كما قسم تاريخ الفن في كلية الفنون الجميلة في القاهرة.  وهذا ما تشير إليه نور عسلية في مقالها «الفن السوري الحديث والمعاصر، نظرة إلى النقد والتأريخ والفلسفة» فتكتب : «للوصول إلى جذور إشكاليّة النقص في جوانب التنظير الفنيّ في سوريا، لابدّ من الإشارة إلى أنّه ليس هناك دراسة جامعيّة تخصصيّة في تأريخ أو فلسفة الفنّ بشكل منفرد، وقد اقتصر وجود هذين الحقلين كمواد دراسية في كليّة الفنون الجميلة [22] »

 

الكيانات الرديفة: كليات الفنون الجديدة في الجامعات الحكومية والخاصة

منذ العام ١٩٨٧، تمّ إنشاء المعهد التقاني للفنون التطبيقية الواقع في قلب قلعة دمشق التاريخية، وهو معهد متوسط مدة الدراسة فيه سنتين، تابعاً لوزارة الثقافة وليس لوزارة التعليم العالي كما هي الحال بالنسبة لكليّة الفنون الجميلة. يتضمّن المعهد أربعة أقسام ولقد تميّز منها قسم النحت بسويّة تعليمية تقنيّة عالية، حيث يتم تدريب الطلاب على خامات وتقنيات مختلفة من خشب وحجر وعمليات سكب برونز والقولبة. وقد ضمّ المعهد قسماً للتصوير الضوئي وهو اختصاص غير مدرج في الكليّة، وآخرين للخزف والخط العربي.

لاحقاً، ابتداءً من عام ٢٠٠٦ تم استحداث كليات جديدة في المحافظات السورية. في الواقع من الصعب معرفة الأسباب الحقيقية على وجه الدقّة وراء افتتاحها، لكن امن المرجح أن يكون فك مركزية الكلية الدمشقية نظراً للأعداد المتزايدة للطلاب الراغبين في دراسة الفنون الجميلة من كافة المحافظات دافعاً رئيسيّاً. ففي عام ٢٠٠٦ تأسست "كلية الفنون الجميلة والتطبيقية" في حلب وضمّت، على غرار كلية دمشق، أقسام النحت والحفر والغرافيك و الرسم والتصويرالزيتي والاتصالات البصرية و العمارة الداخلية. بالاضافة إلى هذه الأقسام الخمسة شملت كليّة حلب قسم النسيج وتصميم الأزياء. وبرزت على الفور إشكاليات متعددة متعلقة بالبناء والكادر التعليمي. فلقد تم اجتزاء مبناها من كلية الهندسة ولذا جاء غير مهيئ لاستقبال طلاب الفن. على سبيل المثال شغل قسم النحت قبو البناء مما شكّل صعوبات على الصعيد العملي فيما يتعلق بنقل المواد والأدوات وكثافة الرطوبة. وشكّل غياب الخبرات التعليمية إحدى المشكلات الأساسية، وأُثقل الأساتذة بالمهام المتعددة.[23]  وقد انتهى الأمر بإغلاق أقسام النحت والحفر والتصوير لاحقاً نتيجة نقص عدد المدرّسين والطلاب، مما يشير إلى حقيقة أن قرار إنشاء كلية حلب لم يكن مدروساً استراتيجياً على الصعيد التعليمي والإداري على حدّ سواء. كذلك أحدثت «كلية الفنون الجميلة الثانية» في السويداء عام ٢٠٠٧ تابعةً لجامعة دمشق عام ومتضمنةً الاختصاصات ذاتها. وعلى غرار كلية حلب، لم تكن عند إنشائها مجهزة بالفعل لاستقبال طلاب الفن، فلقد اتخدت من بناء مدرسة سابقة مقرّاً لها، ثم أُلحق بها تالياً مشغل مخصص لقسم النحت.  أما كلية الفنون الجميلة في جامعة تشرين في اللاذقية والتي استحدثت عام 2012، فلقد ضمّت في البداية قسمي العمارة الداخلية والرسم والتصوير، وتبعها لاحقاً إضافة الاختصاصات: النحت والحفر والإعلان. لكنّ هذه الكليّة عانت منذ البداية من عدم جاهزية المكان، فقد أُنشئت ملحقةً بكليّة الهندسة، كما أنها لم تكن مجهّزة بكادر تدريسي متكامل ومتخصص، وشهدت انتقال عدداً من طلابها إلى الجامعات في المحافظات الأخرى وذلك بسبب العوامل المذكورة. إن اللافت لدى إلقاء نظرة على هذه الكليات هو عدم موائمتها للغرض التعليمي، فهي فقيرة بالمواد والأدوات والفضاءات اللازمة أو المتلائمة مع حاجة الفنانين الناشئين الملتحقين بها، وكذلك بالنسبة لمكتباتها التي تفتقر إلى التنظيم والإدارة الفعالة. 

على صعيد آخر، ضمّت بعض الجامعات الخاصّة كليّات تعنى بتدريس الفن. في الواقع كان قطاع التعليم العالي قطاعاً حكومياً ومجانياً حتى بداية الألفية الثالثة حيث تم إقرار المرسوم التشريعي رقم ٣٦ الذي سمح بإنشاء المؤسسات التعليمية الخاصة لمرحلة التعليم الجامعي. تزامن هذا القرار مع تنامي المشكلات في التعليم الحكومي، وأثار الانتشار الواسع لهذه الجامعات جدلاً واسعا في الأوساط الجامعية. فقد لجأ إليها الطلاب الذين لم تخوّلهم درجات الشهادة الثانوية من الالتحاق بالمرحلة الجامعية، وذلك لتمكنهم من دفع أقساطها. ويوجد اليوم في سوريا أكثر من عشرين جامعة خاصة،  منها كلية الإعلام والفنون التطبيقية في جامعة القلمون التي افتتحت عام ٢٠٠٦ والتي تحتوي على مختبر للتصوير ومختبر للحاسوب وورش للنحت وتصنيع الأثاث والحدادة. وكلية الفنون في الجامعة العربية الدولية والتي تحوي أقسام العمارة الداخلية والاتصالات البصرية والفنون المسرحية والإخراج السينمائي وقسم التصميم الصناعي وقسم لتصميم وصناعة الأزياء. الجدير بالذكر أن هذه  هذه الجامعات استقطبت عدداً من المدرسين العاملين في القطاع العام وذلك لجودة الأجور مقارنة برواتب الجامعة الحكومية. 

محترفات الفنانين 

تشكّلت بعض المحترفات الخاصة للفنانين أماكن بديلة لتعليم الفن في سوريا منذ البدايات كما ذكرنا. ومن الصعوبة أن نحصي عدد الفنانين السوريين الذين مارسوا تدريس الفن في مراسمهم كنشاط موازٍ ومستمر لأن بعضهم كان ينشط فقط في الفترة التي تسبق فحص الدخول إلى كلية الفنون الجميلة فينظم دورات الرسم المأجورة في معظم الأحيان لتمرين الطلاب على قواعد الرسم والتظليل. كان لبعض المحترفات بصمات واضحة على مرتاديها، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر مشغل النحات العصامي سعيد مخلوف الذي منحته إدارة معرض دمشق الدولي مشغلاً دائماً على أرضها. استقطب محترفه العديد من المواهب الشابة الذين تأثروا به وخاصة فيما يتعلق بالنحت على الخشب الذي روجه النحات مخلوف، وكتب عنه محمود شاهين: « لقد أخذت هذه المواهب من سعيد (مخلوف) وسيلة التعبير، وطريقة التفكير، وحبها لأرضها وتراثها، ثم انطلقت لتشكل حضورها الخاص والمتميز في التشكيل السوري الحديث، الذي ظل يُشير بهذا الشكل أو ذاك، للمعلم الأول الذي فتح لها قلبه ومشغله.[24]» وكمثال آخر عن النحاتين المعلمين الذين استقطبت محترفاتهم طلاب الفن نذكر النحات فايز نهري في مشغله في حي التجارة في دمشق، حيث علّم قواعد النحت الأساسية و كيفية بناء العمل النحتي، من تحضير الطين وصناعة الحامل المعدني وعمليات القولبة، والأهم علاقته الشخصيّة بالنحت.

 

 

تعليم الفن في سوريا، التأسيس والمسارات اللاحقة - Features - Atassi Foundation

مشهد عام لكلية الفنون الجميلة في دمشق، ٢٠٢١

شهادة شخصيّة: خصوصيّة قسم النحت

حتى اليوم، يستوجب الالتحاق بإحدى كليات الفنون الجميلة الحكومية في سوريا الحصول على الشهادة الثانوية والنجاح في فحص القبول الخاص بها[25]. تنقسم سنوات الدراسة ومدتها أربع سنوات، إلى أولى تحضيرية وثلاث تخصصية، بالإضافة إلى مشروع التخرج والذي يتم تنفيذه خلال أشهر من نهاية الامتحانات النظرية للسنة الأخيرة. بعد أن يتعرّف الطالب في السنة الأولى على الاختصاصات الخمس الرئيسية في الكلية، يختار الطالب رغباته بالتسلسل. كان قسما النحت والحفر وما زالا، في أسفل سلم الرغبات، حيث يفرز إليهما الطلاب أصحاب الدرجات الأقل إلّا في حال اختيار الطالب لأحدهما بناءً على رغبته. في المقابل، استقطب قسم التصميم الداخلي (الديكور) الطلاب لارتباطه مع سوق العمل والقيمة الاجتماعية التي يمنحها لقب "مهندس ديكور" علماً أن الشهادة التي يحصل عليها بعد التخرج هي ذاتها " إجازة في كلية الفنون الجميلة". كان دخول قسم النحت أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر حيث يشكل سؤال المستقبل المهني قلقاً لمن يختار النحت.  كنتُ شخصياً واحداً من القلّة المغامرة، وأتذكر أنّ من أصل عشرين طالباً تقريباً كنا فقط ثلاثة من أبدوا رغبتهم بدخول قسم النحت. كنت قد أخذت "مناولتي" الأولى في النحت في مشغل النحات فايز نهري وتابعتُ التردد على محترفه بالتوازي مع دراستي الجامعية. لم تقف عائلتي ضد رغبتي في دراسة الفن رغم قلقها المشروع حول مستقبلي المهني لأن ممارسة الفن في سوريا لا تضمن بالضرورة استقراراً اقتصادياً. كما أن للنحت خصوصيته التي تجعله منبوذاً اجتماعياً، إذ يحيل الذهنية العامة المحافظة إلى مفهوم الصنم المحرم دينياً [26].

في السنة الثانية من الدراسة وهي الأولى في التخصص، تُقرر ستة مشاريع بالإضافة إلى امتحانين عمليين، وتقوم التمارين في معظمها على استنساخ نماذج جصية. في السنة الثالثة يقوم الطلاب بتمثيل الموديل الحي والذي كان في معظم الأحيان شخصاً محتشماً من الموظفين المستخدمين في الكلية. في السنة الرابعة وبالتوازي مع مشاريع التمثيل والاستنساخ يُعطى للطالب هامشاً أكثر حرية بهدف دفعه لتكوين رؤية فنية أكثر خصوصية، فيتم اقتراح مشاريع مثل تشكيل علاقات إنسانية أو تشكيل بين عنصر هندسي وعنصر إنساني أو حيواني[27]. أما على المستوى التقني فيتم إطلاع الطلاب على تقنيات القولبة والخزف والحديد والحجر عند الاختيار، لكنها تظلّ غير كافية للممارسة. في الفصل الثاني من السنة الرابعة يبدأ الطالب مرحلة المشروع التحضيري [Avant projet  »[28 » حيث يبدأ بالبحث  الفني الخاص تحت إشراف أحد أساتذة القسم، لينفذ لاحقاً وعلى امتداد أشهر الصيف مشروع تخرجه. تتحول الكلية في هذه الفترة إلى ورشة عمل كبيرة، ويسمح للطلاب بالبقاء إلى وقتٍ متأخرٍ من النهار لإنجاز مشاريعهم بشرط تواجد أحد المشرفين. يأتي موعد التحكيم ويدافع الطلاب عن مشاريع تخرجهم أمام لجنة تتكون من عميد الكلية والوكلاء وأساتذة القسم.  كانت أغلب الأعمال النحتية تنفذ بالصلصال لتُصب لاحقاً بمادة الجبس وأحياناً البوليستر. لم تكن الخامات الأخرى شائعة ولا مفروضة، ولكن كان من الممكن استخدام الخشب أو خزف أو التشكيل بالمعدن [29]. أما بالنسبة للمقررات النظرية فكانت تشكل أربعون بالمائة من المعدل العام. وكانت تقتصر على تاريخ الفن والعمارة، تاريخ الحضارات والأساطير، المنظور الهندسي، اللغة العربية، اللغة الأجنبية، التشريح. كذلك تضمن المنهاج الثقافة القومية الإشتراكية والتربية العسكرية المخصصة للذكور واللتان تم إلغاؤهما لاحقاً. وفي السنة الثانية تضاف مادة التقنية والمواد ومادة اللون لقسم التصوير الزيتي، وفي السنة الثالثة ندرس مادة مبادئ العمارة وتنظيم المدن في قسم النحت، وفي السنة الرابعة تُدرّس مادة علم الجمال والنقد لجميع الاختصاصات، كما أضيفت عام ٢٠٠٠ مادة جديدة وهي المعلوماتية. بعد التخرج يكون من الممكن متابعة التخصص في أقسامهم لنيل شهادة «دبلوم الدراسات العليا» وتعتبر هذه الفترة الدراسية امتداداً طبيعياً لمشروع التخرج، حيث يتاح للطالب تطوير تجربته العملية بالإضافة إلى تعلُّم مواد نظرية جديدة مثل علم الإشارة التشكيلية، وعلم الجمال التجريبي، وتاريخ الفن في الوطن العربي، وتقنيات المواد والتصميم بالحاسوب، بالإضافة إلى طرائق البحث العلمي.

بعد حصولي على هذه الدرجة العلمية، عملتُ بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٤ كأستاذ محاضر في قسم النحت وكان دوري مع أحد الزملاء هو الإشراف بشكل أساسي على طلاب السنة الأولى. لاحقاً في عام ٢٠٠٥ تم تعيني معيداً، وتوسعت مهمتي لتشمل السنوات الثانية والثالثة. لم يتغير المنهج التدريسي خلال فترة عملي في الكلية، ولم يتم وضع خطة لتطوير التمارين أو الترحيب بأية اقتراحات جديدة. وصحيح أنّه لم يتمّ فرض اتجاهٍ فنيّ معيّن، لكن كان بالإمكان أن نلحظ من خلال متابعة بسيطة لمشاريع الخريجين تشجيعاً واضحاً على التعبيرية، وقد يرجع ذلك لانخراط الأساتذة أنفسهم في هذا التيار.

ظلّ قسم النحت بالرغم من تواجد بعض الخبرات الفنيّة القيمة فيه جامداً ومنغلقاً، يتخرّج منه سنوياً ما يزيد عن عشرين طالب، ولكن يعزف معظمهم عن متابعة هذا المسار. فعدا عن أن الغالبية العظمى لم تختار قسم النحت عن رغبة وإنما معدلها العام في السنة الأولى لم يتح لها سوى دراسة هذا القسم، فان شروط الاستمرار في هذا الفن صعبة إذا ما قارناها مع الفنون الأخرى. فن النحت بحاجة إلى   ظروف خاصة مثل الاستقرار في محترف واسع ومجهز، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف إنتاج العمل النحتي وصعوبة تسويقه بالمقارنة مع اللوحة. لذلك يلجأ معظم النحاتين إلى اللوحة او الفنون الأخرى كنشاط أساسي أو موازي.

 

تعليم الفن في سوريا، التأسيس والمسارات اللاحقة - Features - Atassi Foundation

قسم النحت في كلية الفنون الجميلة في دمشق، ٢٠٢١

في الخاتمة

 رغم ما يشوب العملية التدريسية في كلية الفنون الجميلة من إشكاليات على المستويين العملي والنظري، لا يمكن نقضها جذرياً،حيث أن التحولات السياسية والاجتماعية قد أرخت منذ ستينات القرن الماضي وحتى مطلع القرن الماضي بآثارها السلبية على مفاصل المجتمع السوري كافّة، ولم تنجُ منها الجامعة السورية.

بالنتيجة قد تكون فترة الستينيات، بالرغم من التخبّطات التي شهدتها الكلية آنذاك، أهم فترة في تاريخها لما شهدته من مناقشات وحوارات على الصعيدين الإداري والعلمي. فعلى الرغم من توفر المبنى الملائم كلية الفنون منذ بداية التسعينيات، لم يحدث تتطور واضح في آليات ومناهج الكلية منذ تأسيسها وحتى بداية الألفية الثالثة، وتحوّلت المهمّة التدريسية خلال العقود الماضية وبالتدريج إلى عمل وظيفي روتيني يتبع شروط وقوانين جامدة ومنغلقة ومناهج ثابتة تفتقر إلى الحرية والإبداع، فيما عدا استثناءات أخذ فيها بعض الأساتذة على عاتقهم زمام المبادرة لحث الطلاب على التطوير. كما شكّل الفساد الإداري والتمييز على أساس الانتماء الحزبي عاملان أساسيان في تراجع المناخ التعليمي في الجامعة السورية بشكل عام وضمناً كلية الفنون الجميلة. ومع ذلك لا نستطيع أن ننكر أهمية الكلية كمنصة للتعلّم والتعارف، ولا يمكننا إلّا أن نحترم جهود الفنانين المدرسين الذين سعوا ويسعون رغم الصعوبات للدفاع عن حرية الفن. ولعلّه من الجدير ختاماً أن نحيّي روح الفنان المعلّم محمود حمّاد والذي اقترب من زملائه وطلابه على حدٍ سواء بفضل ثقافته المنفتحة الواسعة وأدائه المتميّز أستاذاً وعميداً، وكان مثالاً نادراً في الزمن الصعب.

مخطط زمني

قامت نور عسلية بإعداد مخطط زمني بالاعتماد على دراستين منشورتين في المجلة وهما " تاريخ تأسيس الجمعيات الفنية بدمشق في القرن العشرين منذ بداية ظهورها وحتى انعقاد المؤتمر العربي الأول للفنون الجميلة في دمشق عام ١٩٧١" بقلم لبنى حماد والمنشور في أكتوبر ٢٠٢٠ بالإضافة لنص محمد عمران الحالي بعنوان "تعليم الفن في سوريا: التأسيس والمسارات اللاحقة".

 

العام/ الحدث / الجمعية أوالمؤسسة/المدينة/ المؤسس أو الراعي

١٩٢٢- حتى اليوم- تأسيس المعهد الفرنسي للفن والآثار الإسلامية في قصر العظم، انتقل عام ١٩٤٦ إلى حي أبو رمانة حيث سميّ بالمعهد الفرنسي/ دمشق/ سلطة الانتداب

١٩٣٠- تأسيس نادي الفنون الجميلة في سوق ساروجة، دمشق، فنانون سوريون مستقلون

١٩٤٠- ١٩٤١- تأسيس ندوة الأندلس للرسم والأدب، دمشق، فنانون سوريون مستقلون

١٩٤٠- معرض الفنون الجميلة في كلية الحقوق، دمشق، وزارة المعرف في سوريا

١٩٤١- ١٩٥٠- مرسم فيرونيز، دمشق، فنانون سوريون مستقلون

١٩٤٣-١٩٤٥- تأسيس الجمعية العربية للفنون الجميلة، دمشق، انبثقت عن مرسم فيرونيز

١٩٤٧- معرض مدرسة التجهيز الأولى بدمشق "جودت الهاشمي"، دمشق، وزارة المعرف في سوريا

١٩٤٨- تأسيس مرسم نصير شورى، دمشق، فنان سوري مستقل

١٩٥٠-١٩٦٠- تأسيس الجمعية السورية للفنون، دمشق، فنانون وأدباء مستقلون سوريون

١٩٥٠- أول معرض فني رسمي سوري في متحف دمشق، دمشق، مديرة الآثار بالتعاون مع وزارة المعارف

١٩٥٢-١٩٥٥- تأسيس جمعية محبي الفنون الجميلة، دمشق،  فنانون مستقلون ومهتمون بالشأن الثقافي

١٩٥٣- أول بعثة دراسية على نفقة الدولة لدراسة الفن إلى روما، وزارة التعليم العالي

١٩٥٦-١٩٥٩- إنشاء رابطة الفنانين السورية للرسم والنحت، دمشق، فنانون سوريون مستقلون

١٩٥٨- إنشاء وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، حكومة الوحدة

١٩٥٩-١٩٦٦- إنشاء مديرية الفنون التشكيلية والتطبيقية، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في حكومة الوحدة

١٩٥٩- حتى اليوم- إطلاق معرضي الربيع والخريف السنويان، دمشق، مديرية الفنون الجميلة في دمشق

١٩٥٩- تشكيل المجلس الأعلى لرعاية. الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، دمشق، وزارةالثقافة والإرشاد القومي في حكومة الوحدة

١٩٥٩-١٩٧٣- تأسس مركز للفنون الجميلة وسمي حينها باسم الفنان توفيق طارق، دمشق، وزارة المعارف

١٩٦٠-١٩٦٣- تأسيس المعهد العالي للفنون الجميلة، دمشق، وزارة التربية والتعليم في حكومة الوحدة

١٩٦٠-١٩٦٨- تأسيس أول صالة عرض خاصة "صالة الفن الحديث العالمي"، دمشق، راعي مستقل

١٩٦٠- حتى اليوم- تأسيس مركز الفنون الجميلة الذي سمي باسم النحات فتحي محمد، حلب، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سوريا

١٩٦١- حتى اليوم- تأسيس مركز الفنان سهيل الأحدب، حماه، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سوريا

١٩٦١-١٩٦٦- إنشاء حلقة التكامل الاجتماعي والفنون، دمشق، فنانون سوريون مستقلون ،مهتمون بالشأن الثقافي

١٩٦٣- حتى اليوم- تحويل المعهد العالي للفنون الجميلة إلى كلية الفنون الجميلة، دمشق، وزارة النعليم العالي في سوريا

١٩٦٣- حتى اليوم- إنشاء مركز الفنون التشكيلية الذي حمل لاحقا" اسم الفنان صبحي شعيب، حمص، فنان سوري مستقل

١٩٦٥- تأسيس جماعة دمشق، دمشق، فنانون سوريون مستقلون

١٩٦٦-حتى اليوم-  تحول مديرية الفنون التشكيلية والتطببيقية إلى مديرة الفنون الجميلة، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سوريا

١٩٦٧-٢٠٠٥- تشكيل نقابة الفنون الجميلة، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سوريا

١٩٦٨- حتى اليوم- انتقال هيكلية مركز توفيق طارق من حي الروضة إلى ساحة الشهبندر وتسميته باسم أدهم إسماعيل، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سوريا

١٩٦٩- تأسيس جماعة العشرة، دمشق، فنانون سوريون مستقلون

١٩٧١- إقامة المؤتمر العربي الأول للفنون الجميلة، دمشق، فنانون مستقلون من الدول العربية

١٩٧٢- حتى اليوم- تحويل مقر مركز توفيق طارق إلى مركز أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية، دمشق

١٩٧٢- إقامة المهرجان العربي الأول للفن القومي التشكيلي، دمشق، فنانون مستقلون من الدول العربية

١٩٩٠-حتى اليوم- انتقال كلية الفنون الجميلة بدمشق إلى مقرها في البرامكة، دمشق، وزارة التعليم العالي في سوريا

١٩٨٧- حتى اليوم- إنشاء المعهد التقاني للفنون التطبيقية الواقع في قلب قلعة دمشق، دمشق، وزارة التعليم العالي في سوريا

٢٠٠٥- حتى اليوم- تحويل نقابة الفنون الجميلة إلى اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، دمشق، وزارة الثقافة في سوريا

٢٠٠٦- حتى اليوم- تأسيس كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، حلب، وزارة التعليم العالي في سوريا

٢٠٠٧- حتى اليوم- تأسيس كلية الفنون الجميلة، السويداء، وزارة التعليم العالي في سوريا

٢٠١٢- حتى اليوم- تأسيس كلية الفنون الجميلة في اللاذقية، اللاذقية، وزارة التعليم العالي في سوريا

الهوامش

 

١ أتاحت لنا السيدة لبنى حمّاد ابنة الفنان الاطلاع على المواد القيّمة من أرشيف حمّاد

٢ ديمة شكر، المعهد الفرنسي في دمشق، موقع العربي الجديد، ٢٠١٥. https://diffah.alaraby.co.uk/diffah/opinions/8DB6F747-C448-489E-A21E-9BE201E7EF69

٣ في تلك الفترة انتشرت المعارض الفنية ولعلّ أهمّها المعرض الذي افتتحه رئيس الجمهورية آنذاك، تاج الدين الحسني، والذي قد أقيم في كلية الحقوق عام ١٩٤٠ وضمّ، بالإضافة إلى مجموعة من الفنانين الضباط التابعين لسلطة الانتداب، مجموعة من الفنانين السوريين. أما عن المعارض الرسمية بعد فترة الاستقلال فتذكر المهندسة المعمارية والباحثة لبنى حمّاد في مقالتها عن تاريخ تأسيس الجمعيات الفنية بدمشق في القرن العشرين، تاريخ أول معرض رسميّ أقيم عام ١٩٥٠ حيث «افتتحت وزارة المعارف أوّل معرض فنيّ رسميّ سوريّ أقامته مديريّة الآثار بالتعاون مع وزارة المعارف في جناح خاص من "المتحف الوطني" بدمشق، وشكّلت لجنة لتوزيع جوائز تقديرية تنافس عليها ثلاثون فناناً قدموا نحو مئة لوحة. وكان المعرض الذي أطلق عليه اسم "معرض الرسم اليدوي" نقطة انطلاق في تاريخ الفن السوري المعاصر وبداية لتقليد المعرض السنوي المستمر حتى اليوم» لبنى حمّاد، تاريخ تأسيس الجمعيات الفنية بدمشق في القرن العشرين وحتى انعقاد المؤتمر العربي الأول للفنون الجميلة بدمشق عام 1971، موقع " المجلة" مؤسسة آتاسي، ٢٠٢٠.

٤  Lenssen Anneka, Rogers Sarah, Shabout Nada, Modern Art in the Arab World: Primary Documents, Duke University Press : Caroline, 2018.144 

٥  عبد العزيز علّون، صحراء النحت الواسعة والطريق إلى واحة سعيد مخلوف، ص 132

٦  سعد القاسم، ستون المعهد وكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، عن موقع التاريخ السوري المعاصر، المصدر صحيفة الثورة العدد ١٧٠٢٧، آذار ٢٠٢٠.

٧ نستطيع أن نستدل على أهمية فكرة الوحدة والإيمان بها في بدايتها من خلال أعمال بعض الفنانين السوريين في تلك الفترة  الذين عبروا عن هذا الموضوع.  كما في لوحة الفنان محمود حماد بعنوان "ذكرى الاول من شباط" ١٩٥٨، ولوحة الفنان ممدوح قشلان بعنوان "النهضة الابدية".

٨ عبد العزيز علون، منعطف الستينات في تاريخ الفنون الجميلة المعاصرة في سورية، ص ٤٧.

٩  سعد القاسم، ستون المعهد وكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، عن موقع التاريخ السوري المعاصر، المصدر صحيفة الثورة العدد ١٧٠٢٧، آذار ٢٠٢٠.

١٠ في سوريا، تستقبل المعاهد عموماً الطلاب أصحاب معدلات الشهادة الثانوية غير المؤهلة للالتحاق بالجامعات، وعليه فإن الدرجة العلمية لدى التخرّج مختلفة.   

١١ مقطع من رسالة إلى الصحفي اللبناني فاروق البقيلي بمناسبة المعرض الفن السوري في متحف سرسق، أرشيف الفنان محمود حمّاد. 

١٢  المصدر السابق.

١٣  ربما جاء قرار الفصل تأثراً بما حدث في فرنسا بعدما استقلّ فرع العمارة عن مدارس الفنون الجميلة، وذلك بعد قانون إصلاح الجامعات عام 1967 على زمن وزير الثقافة الفرنسي السابق أندريه مالرو.

١٤على الرغم من هيمنة حزب البعث على مفاصل الدولة إلا أن الفن التشكيلي أو تدريس الفن بالمعنى الأدق كان خارج هذه الأطر الأيديولوجية وقد تكون هناك بعض المساعي التي حاولت فرض هوية قومية بعد عام 1967 أي عام النكسة لإنتاج فن قومي غير اننا لن نجد في إنتاج الفنانين ما يشير إلى فكرة اتجاه مفروض، مع العلم أن أغلب الفنانين السوريين في تلك الفترة كانوا قد عبّروا عن التزامهم الوطني بحرية وليس بتوجيه أو فرض.  

١٥ مقطع من رسالة إلى الصحفي اللبناني فاروق البقيلي بمناسبة المعرض  الفن السوري في متحف سرسق، أرشيف الفنان محمود حماد.

١٦ نفس المصدر.

١٧ مثل "جماعة نصف النهار للفن الحديث" وجماعة "دمشق" او "د" "وجماعة العشرة".

 ١٨ كان عدد الطلاب في كلية الفنون الجميلة عام ١٩٦٤ ما يقارب مئة طالبة وطالب في كافة الأقسام بما فيها قسم الهندسة المعمارية. سيتضاعف هذا العدد في السنوات اللاحقة.   

١٩  سعد القاسم، مبنى جديد وتداعيات قديمة، جريدة الثورة، نيسان ٢٠٢٠ .

٢٠  المؤتمر التربوي لتطوير التعليم العالي والجامعي، أرشيف الفنان محمود حمّاد.

  «٢١ لا يعرف عبد الوهاب هيكل (وهو أول موديل عاري في مدرسة الفنون الجميلة التي أنشأها الأمير يوسف كمال عام ١٩٠٨ في القاهرة) أن جسده الذي كان  مادة تعليمية ضرورية أصبح عورة وأن مهنته إنقرضت بحجة انها لا تتناسب مع الأخلاق العامة، ليس في مصر فحسب وإنما في سوريا أيضاً. حيث لم يعد الموديل العاري معمولاً به، بداية الثمانينات، لا في مصر ولا في سوريا و أستبدل بنموذج حي يرتدي الملابس. لمحمد عمران، العربي الجديد، ١ نوفمبر ٢٠١٥

٢٢ نور عسليّة، الفن السوري الحديث والمعاصر : نظرة إلى النقد والتاريخ والفلسفة ، المجلة، أتاسي، ٢٠٢٢.

٢٣  يقول الفنان علاء أبو شاهين الذي عمل معيداً في كلية حلب بين عامي ٢٠١٠ و٢٠١١ في حديث خاص : «كنت أقترح مشاريع السنوات الأربع، أصحح المشاريع وكأني رئيساً للقسم».

٢٤ محمود شاهين، النحات سعيد مخلوف مُروّض الخامات العنيدة، موقع العربي، العدد ٥٧٨.

٢٥ تضمّن الفحص تنفيذ ثلاثة رسوم بالرصاص: تكوين طبيعة صامتة، أحد الاقنعة الاغريقية سقراط أو فينوس، تمثيل ليد الطالب. لم يتغّير فحص القبول من حيث التمارين المقترحة، ولكن أضيف إليه لاحقاً فحصاً للثقافة الفنية.

٢٦ كان أحد عمداء الكلية السابقين كان يدعو قسم النحت بقسم الأصنام من باب السخرية. كما أن والد أحد الطلاب من الذين اجبروا، بسبب انخفاض معدلهم العام في السنة الأولى، على دخول قسم النحت، قد طالبَ بنقل ابنه إلى قسم الحفر، أهون الشرور للسبب ذاته. 

٢٧ أحيانا كانت تُفرض مشاريع بتوجيه من خارج الكلية مثل مشروع نحت جداري يبرز منجزات «الحركة التصحيحية».

٢٨ وهي مرحلة تحضيرية سابقة لمشروع التخرج. نتداول لفظ "أافان بوريحيه"  في الكلية كما هو بالفرنسية.  

٢٩ تمّ تخصيص شعب للتشكيل بالمعدن ونحت الخزف وفصل قاعات النحت الثلاث واستحداث قسم النحت الجداري 

 

المصادر

-أرشيف الفنان محمود حمّاد، عبر السيدة لبنى حمّاد.

-علّون عبد العزيز، منعطف الستينات في تاريخ الفنون الجميلة المعاصرة في سوريا، بيت الثقافة، دمشق، ٢٠٠٣.

-علّون عبد العزيز، صحراء النحت الواسعة والطريق إلى واحة سعيد مخلوف،١٩٧٣. 

-شاهين محمود، النحات سعيد مخلوف مُروّض الخامات العنيدة، موقع العربي، العدد ٥٧٨.

-القاسم سعد، مبنى جديد وتداعيات قديمة، جريدة الثورة ، نيسان ٢٠٢٠.

-القاسم سعد ، ستون المعهد وكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، عن موقع التاريخ السوري المعاصر، جريدة الثورة العدد ١٧٠٢٧، آذار ٢٠٢٠.

-حمّاد لبنى ، تاريخ تأسيس الجمعيات الفنية بدمشق في القرن العشرين وحتى انعقاد المؤتمر العربي الأول للفنون الجميلة

بدمشق عام ١٩٧١، المجلة، مؤسسة أتاسي، ٢٠٢٠.

-عسليّة نور، الفن السوري الحديث والمعاصر: نظرة إلى النقد والتاريخ والفلسفة، المجلة، مؤسسة أتاسي. ٢٠٢٢

-الشكر ديمة، المعهد الفرنسي في دمشق، موقع العربي الجديد، ٢٠١٥.  

-Bank Charlotte,Art Education in Twentieth Century Syria, Heidelberg University Publishing, 2019.

- Lenssen Anneka, Rogers Sarah, Shabout Nada, Modern Art in the Arab World: Primary Documents, Duke University Press : Caroline, 2018.