قصّة مدينتين: بيروت ودمشـق
قصّة مدينتين: بيروت ودمشـق - Features - Atassi Foundation

 

ارتبطت مدينتا بيروت و دمشق بروابط عديدة خلال القرن الماضي. فالمسافة بين المدينتين – ٩٢ كلم فقط – جعلت من بيروت الوجهة الواضحة الأولى لأي فنان سوري.  تكشف قائمة سريعة عن معظم الأسماء الشهيرة في تلك الفترة . فلقد انتقل الرسام الرائد توفيق طارق إلى بيروت وتوفيّ فيها عام ١٩٤١م و كان ميشال كرشة يقوم بزيارات متكررة إلى بيروت بحكم العلاقات الأسرية.  ثم بفضل البروفسور الإيطالي جويدو دي لا ريجينا ، أستاذ الفنون الجميلة في بيروت ودمشق، تمكّن فنّانون مثل محمود حمّاد ونصير شورى ، طلاّب لا ريجينا، من عرض أعمالهم في لبنان منذ عام ١٩٦٢م. وكان الفنان حمّاد متزوج من الفنانة البيروتية درّية فاخوري. وفي عام ١٩٤٦م استضاف متحف سرسق معرضاً كبيراً للفن السوري ، اشتمل المعرض على أعمال أبرز فناني تلك الفترة. ولقد عرض فاتح المدرّس أعماله بشكل منتظم  في صالة وان منذ منتصف الستينيات. وكذلك أقام إلياس الزيات وسعد يكن أول معارض لهما في الصالة ذاتها في العامين ١٩٧٠م و ١٩٧٢م. كما نظّم لؤي كيّالي معرضين مهمين في منزل طبيبه علاء الدين دروبي في أوائل السبعينيات، و بدأ نذير اسماعيل بالتردّد على مقهى الهورس شو وصالة بيروت منذ عام ١٩٨٦م. افتتح وضّاح فارس، السوري-العراقي، صالته «كونتاكت» عام ١٩٧٢. وبينما كانت سوريا تسعى إلى إرساء نظام اقتصادي اشتراكي منذ عام ١٩٦٠م وما بعد، كان من الطبيعي أن تصبح بيروت سوقاً للكثير من الفنانين السوريين، وخاصة بعد انتقال رجال الأعمال الأثرياء إليها عقب فترة التأميم في الستينيا

أتت الحرب الأهلية اللبنانية ، فارتبكت تلك العلاقات العضوية مع إقفال العديد من الصالات في مدينة بيروت و التي سرعان ما سيتم تقسيمها. بالرغم من ذلك، حافظ العديد من الفنانين السوريين على روابط قوية  مع بيروت ، مثل المدرّس واسماعيل.  بعد عملية المصالحة التي تمّت على إثر إتفاقية  الطائف عام ١٩٩١م، عادت بيروت من جديد لتلعب دورها الفعّال في المشهد الفني السوري. أقيم معرض كبير في قصر اليونيسكو عام ١٩٩٩م تحت عنوان «المُحترَف السوري» بتنظيم صالة الأتاسي وبالتعاون مع صالة أجيال و جانين ربيز ونجح المعرض في تسليط الضوء على صدارة الفن السوري في مطلع القرن. ثم في عام ٢٠١١ أجبرت الأحداث المؤسفة الكثير من الفنانين السوريين على الانتقال إلى لبنان، منهم على سبيل المثال لا الحصر: هُمام السيد و أنس البريحي و سمعان خوّام و راميا عبيد و سعد يكن و زهير دباغ

ستظل العلاقة بين المدينتين قوية جداً بالرغم من كل الصعاب. كان التركيز في هذا المقال على مدينة بيروت فيما يتعلّق بالفنانين السوريين، ولم يُفسح المجال للحديث عن علاقة الفنانين اللبنانيين بسوريا عامة ودمشق خاصة، على أمل أن تكون تلك العلاقة موضوعاً لمقال آخر في المستقبل أو حتى معرضاً يكون موضوعه : سوريا من خلال عيون الفنانين اللبنانيين   

صالح بركات، تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩