مقابلة
مقابلة - Features - Atassi Foundation

Khaled Takreti, Ca roule, acylic on canvas, 195 x 117cm.

على الرغم من أنه قد ظهر في المشهد بشكل كبير ابتداءَ من عام ٢٠٠٥، مع أعماله المستوحاة من البوب-آرت ، فإن خالد تكريتي قد بدأ بعرض أعماله منذ منتصف التسعينيات. مع أعناق تشبه تلك التي للبجع وأطراف رشيقة، كان هناك تقارب طفيف مع شخصيات موديلياني الرشيقة والأنيقة، في حين أن النظرات المدهشة والمذهلة قد منحتها جاذبية ميزتها كصور اجتماعية عصرية فخمة. 

تشمل أعمال الفنان السوري المولود في بيروت والمستقرّ في باريس منذ عام ٢٠٠٦ ، لوحات أحادية اللون بالإضافة إلى التحول من العمل على القضايا الشخصية والمجتمعية ببعدها العائلي، إلى الأعمال التي تأثرت بأسئلة أكبر حول الصراع والحرب. في أعماله الأخيرة، عاد تكريتي باهتمامه من المشهد الإنساني الأكبر إلى الشخصي البشري: الجسد، مستمتعاً برسم الحياة وقدرته على جعل الفنان دنيوياً في الوقت الحاضر.

مقابلة - Features - Atassi Foundation

Khaled Takreti, Untitled, 2007, acrylic on canvas, 12 x 120 cm.

في لوحاتك غالبًا ما يحدق الأشخاص بالمشاهد مباشرةً وكأنما يخرجون من اللوحة- ما مدى أهمية النظرة بالنسبة إليك؟ إلى ماذا ترمز؟

أنا سعيد بطرحك لهذا السؤال وذلك لأنني كنت وما زلتُ أؤمن بأن العيون وتحديداً النظرة كافية لاختزال حالة الإنسان النفسية. إحدى أوائل تجاربي الجادّة  عام ١٩٩٦م في غاليري أتاسي في دمشق، كانت حول موضوع تعابير الوجوه (expressions) التي تساعدني علي تخمين ما يوجد داخل الشخص من أسرار. إن الفرح والحزن والخجل والآلام والموت والحياة ... إلخ، هي جميعاً تعابير مختلفة، والنظرة والعيون هي على وجه الخصوص المفتاح الذي يساعد على التعرف عليها.

هل هناك مواضيع تجد نفسك تعود إليها مرارًا وتكرارًا في عملك؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟

إن تطور الإنسان من الداخل يدفع بالفنان إلى تطوير عمله، وهذا ما أسعى إليه دوماً. لكن هناك تجليات نفسية لدينا لا نستطيع التخلي عنها أو تجنبها مهما كانت قدراتنا الذهنية متطورة. الحرية بشكل عام، حرية الإنسان بكل خياراته الشخصية هو موضوع أثار اهتمامي منذ صغر سني، فكان همي الأول البحث عنه وممارسته وحاولت التعبير عنه من خلال الدراجة وتحويل الجسد إلى جسم الدراجة، وكأن أقصى حالات الحرية تتحقق عندما يتحول الإنسان إلى دراجة تنطلق مع الهواء ولا يقيدها شيء غير قائدها المسؤول عنها وعن مسيرها. نعم هو رمز أحببته منذ صغري وما زلت حتي الآن استخدمه للتنقل وللتعبير. عادةً أنتهي من سلسلة عندما لا أجد شىئاً جديداً لأضافته بهدف إغناء المجموعة، فأنا لا أؤمن بالتكرار أبداً.

إذا كان عليك أن تصف تطور عملك خلال السنوات العشر الماضية، كيف تصفه؟ ما هو التغيير الرئيسي؟

لقد تحول همّي في اللوحة من همّ شخصي إلى همّ عام، من معالجة القضايا الأسرية المتعلقة بي إلى موضوع عام وأكبر ألا وهو الإنسان (الحروب، الموت، الحرية).

لقد اشتهرتً بلوحاتك المستوحاة من فن البوب (pop art) ، لوحات رائعة ومبدعة لأشخاص، بأسلوب أصبح من الممكن التعرف عليه. هل شعرت يوماً أن هذا الأسلوب الذي عرفت به قد بدأ يعوقك؟ هل كانت هذه نعمة أم نقمة؟

لا أظن أن فترة البوب التي عُرفتُ بها كانت صندوقاً أعاق تطور عملي ، لأن هناك مراحل هامة ومعروفة قبل البوب آرت (وتحديداً في فترة التسعينات). على سبيل المثال معالجه موضوع الأسرة وتحديداً أفراد أسرتي ( جدتي ، والدتي)- الموضوع الذي احتاج لأكثر من عشرة أعوام لمعالجته. وبعد ذلك عملت على مجموعات معروفة مثل مجموعة البقج من فترة الحرب السورية (إحداها لوحة «حزمة» دخلت مؤخراً إلى مجموعة المتحف الوطني للهجرة في باريس).

لا أظن بان الناس سريعي التصنيف، ولكن أظن بأنه في بعض الأحيان يحاول الفنان أن يضع نفسه ضمن قالب من أجل إيجاد أسلوب يعرف به ويميزه، أو من أجل العمل ضمن أمان مادي يضمن تسويق عمله المعروف به فلا يتجرأ على الخروج عنه وبالتالي يقع في فخ التكرار و يضع نفسه بنفسه ضمن الصندوق.

حقيقة لا أستطيع الحكم بأن شهرة فنان من خلال مجموعة أو أسلوب معين هي نعمة أم نقمة لأنني لم أشعر بهذا الأمر لكثره المواضيع التي أحب معالجتها والعمل عليها. لا أؤمن بفكرة الأسلوب الواحد للفنان. على سبيل المثال بيكاسو مر بمراحل عديدة خلال مسيرته الفنية، فهل قلل ذلك من أهميته؟ بالطبع لا.. أظن بأن روح الفنان الصادقة التي تسيّر عمله للإنجاز هي وحدها كافيه لخلق عالمه الفني مهما تغيرت مواضيعه وأسلوب معالجته، فالتعبير الفني الصادق والنابع من الداخل كفيل بخلق عالم الفنان المتميز.

مقابلة - Features - Atassi Foundation

Khaled Takreti, Pop Couleurs - Les grands enfants, 2008, work on paper, 300 x 150 cm.

 

 ما الذي دفع بك للانتقال إلى فرنسا؟

أظن بأن هذا النوع من القرارات الحاسمة يأتي نتيجة سنين من التفكير والتمهيد. قررت السفر والاستقرار في فرنسا عام ٢٠٠٤م ولكنني كنت قد تعرفت على الثقافات الغربية منذ صغري وبالتالي كان الانتقال من الشرق الي الغرب ممهد له جيداً، فلم أشعر بصعوبة التأقلم مع الغرب، بل العكس منذ ذلك، استطعت أن أجد مكاني بسهولة مع الحفاظ على ثقافتي الشرقية والمزج بين الثقافتين مما أغنى شخصيتي وبالتالي تجربتي الفنية.

كيف تجلى هذا في عملك؟ 

بالطبع تأثرت هويتي فأنا مزيج من ثقافتين غنيتين من الشرق والغرب. إن العيش في فرنسا قد أغنى تجربتي الفنية بشكل كبير، واستكشاف الثقافة البصرية عن طريق زيارة المتاحف والمعارض الكبرى بشكل مستمر وعلى مدار سنين عديدة قد علمني أن أرى بشكل أفضل. العيش في الخارج أثبت لي بأن كل شيء ممكن عبر الفن و أن القاعدة هي عدم وجود قاعدة، لأن الفن هو تعبير عن ذات الفنان وليس عملاً حرفياً ضمن قوالب ثابتة. وهذا كان موضع اختلاف مع بعض الفنانين السورين قبل هجرتي .

ما هو تأثير الصراع السوري على عملك؟

لقد أثر الصراع السوري عليّ أولًا كإنسان، وبالتالي كان له نتيجة حتمية على عملي الفني. كأغلب السوريين الذي عاشوا الأزمة السورية عن بُعد، مررتُ بحالات اكتئاب طويلة وصعبة. لا أستطيع الحكم ما الأصعب: أن تعيش ضمن الحرب وتشاهد المنازل تتهدم والأشخاص يموتون، أم تعيش في الخارج مع عدم القدرة على العودة إلى بلدك لدفن والدك الذي توفي أثناء الحرب والشعور بتأنيب الضمير المستمر لعدم عودتك.

حاولت توثيق حالة الحرب حسب رؤيتي الشخصية ضمن لوحات كبيرة ومتعددة لسنين الحرب كلها تقريباً ولكن أظن بأن هناك أعمال لم تولد بعد، فهناك فترة ما بعد الحرب وجيل الحرب ونتائج الحرب، وأظن بأن كل هذا لم أعشه بعد وسابق لأوانه. 

دعنا نتحدث عن استخدامك للون: كيف يمكنك الاختيار بين استخدام ألوان عدة أو استخدام لون واحد؟

ليس عندي قاعدة لاختيار اللون، فالعلاقة مباشرة مع حالتي النفسية أولاً وهي ليست اختيارا عقلانيا إلا في حالات نادرة ولأسباب معينة وثانياً حسب حدسي الشخصي لمعالجة الموضوع.

على ماذا تشتغل في الوقت الحالي؟ هل تعمل على شيء جديد أم على تطوير سلسلة موجودة؟

 أعمل حالياً على مجموعة ورقيات بأحجام كبيرة حول موضوع الجسد المذكر والمؤنث بحالة الاسترخاء. وذلك بمساعدة أشخاص يقومون بدور الموديل الحي. أريد أن أعيش اللحظة الحالية أثناء الرسم، لا أريد استخدام ذاكرتي أو الوثائق في هذه الأوقات. أظن بأنني قررت أن أعيش الحاضر، هل هذا من نتائج الحرب؟ أو ربما هناك أسباب أخرى! لا أدري، وفي الحقيقة غير مهم معرفة السبب.

مقابلة - Features - Atassi Foundation

Khaled Takreti, Hommage pour la cathédrale Notre-Dame de paris, acrylic on canvas - diptyque, 130 x 97cm x 2, 194 x 130 cm.