لقاء مع الفنان: أكرم الحلبي

من خلال أعماله عبر وسائط متنوعة، تقليدية و جديدة، من الرسم إلى الفيديو و التجهيز والصوت، تستهوي الفنان أكرم الحلبي فكرة جمع عنصرين مختلفين معاً لخلق عنصر ثالث جديد. سواء من خلال دمج صور فوتوغرافية مع نص وأحرف مطبوعة ، أو جمع عدة أعمال مختلفة في فضاء واحد ، يستكشف الحلبي كيف يمكن للمواد المتعددة و للتراكيب المواضيعية تحريض تكوينات ومفاهيم جديدة. وُلد الحلبي في مجدل شمس في هضبة الجولان، ولكنه استقرّ في النمسا منذ أكثر من عقدٍ من الزمن. وهناك درس في أكاديمية الفنون الجميلة في فيينا وأيضاً في أكاديمية الأفلام في فيينا، وذلك بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة من كلية الفنون الجميلة في دمشق عام ٢٠٠٥. 

لقاء مع الفنان: أكرم الحلبي - Features - Atassi Foundation

Akram AL-Halabi, Cheek, 2011-2013

يمكن القول أن مجموعة «خد»(٢٠١١ – ٢٠١٣)هي الأشهر من بين أعماله، وهي عبارة عن سلسلة من الملصقات الصوَرية، حيث تشد الكلمات المدوّنة بالعربية والإنكليزية فيها انتباه المشاهد إلى مناظر الخراب الذي قد لا نشعر به من دونها. في عالم نواجه فيه التخمة من وسائل الإعلام، تستوقفنا هذه الكلمات والحروف ، فهي تشير إلى أطراف وأجساد، أو قد تبدو مبعثرة على الصورة ، و تذكّرنا على الفور بشظايا القذائف المتناثرة أو الأبنية المهدّمة  أو ربما أحجار بناء محتملة من أجل إعادة بناء حياة جديدة. 

لقاء مع الفنان: أكرم الحلبي - Features - Atassi Foundation

Akram Al-Halabi, Snowflakes, 2009-2012

 

في عمل متميّز آخر، «ندفة ثلج» (٢٠٠٩ -٢٠١٢)، يستكشف الحلبي الهوية والجغرافية من خلال مشروع تشاركي يقوم خلاله بمقابلات مع المئات من الغُرباء حول العالم.  وفي مشروعٍ آخر «الحب يأتي أولاً» (٢٠١٠)، قام الفنان بجمع مئتي شخص من مرتفعات الجولان لكتابة عنوان هذا المشروع بأجسادهم في ملعب لكرة القدم.  يقول الفنان : « لدينا الكثير من المسائل التي تقلقنا اليوم، لكن الجيل الأصغر يمتلك طاقة جميلة للغاية. أؤمن حقاً بوجود رسالة أقوى للتعبير عمّا نستطيع أن ننجزه عندما يتم جمع الناس مع بعضهم البعض، عندما نكون متّحدين، بدلاّ من التحدث عن المشاكل وحسب. إنها رسالة إيجابية للمستقبل.» عرضت أعماله مؤخراً ضمن المعرض الجماعي «أين منزل صديقي؟ » الذي يُقام في «ميزون مالاكوف» مركز الفنون في مدينة مالاكوف في باريس بين الثاني و العشرين من كانون الثاني والرابع عشر من نيسان  ٢٠١٩،  والذي يستعرض الدمار وإعادة الإحياء والقيامة.

لقاء مع الفنان: أكرم الحلبي - Features - Atassi Foundation

Akram Al-Halabi, Cheek, Digital Print on Paper, 2011-2013

في عمل «خد»، لماذا أضفت الكلمات العربية والانكليزية فوق الصور؟

كانت بداية الثورة في العام ٢٠١١ وكنت في النمسا بعيداً جداً عن كل تلك الأحداث المروّعة في سوريا. لم أستطع فعل أي شيء، كنت مجرد متفرّج عاجز، مثل الآخرين. بدأت بالتفكير بالصور الملطّخة بالدم التي تُعرض في نشرات الأخبار ففكّرتُ : لماذا لا أبدأ بكتابة ما أراه في الصور ذاتها؟ إذا جعلت الصورة أحادية اللون، وأزلتُ منها احمرار الدم و وضعت في مكانه كلمات ونصوص لتصبح الصورة التي تراها واضحة وضوح الشمس : أيادي وأقدام ووجوه ، فهل باستطاعتي صنع شيء جديد؟ للكلمة مضمونها الخاص وكذلك الصورة ، عندما أجمعهما معاً أبتكر شيئاً ثالثاً: مفهوم جديد، شيء أكثر قوة ويصعب تجاهله.  

وماذا عن الكلمات ، لماذا اخترتها أن تكون حرفية إلى هذا الحد؟

نحن ننظر إلى صور المجزرة المروّعة والدموية ، ولكن إذا لم نعشها فعلياً ، فنحن ،على نحو ما، لا نراها.  أعني ممكن رؤيتها ولكن لأي حد ممكن الانخراط فيها، هل حقاً يمكن الالتزام تجاهها ؟ إن قيامي بالكتابة على الصورة نفسها سيجعلها متأصّلة ويُجبَر الدماغ على مواجهة حقيقة الصورة بطريقة مختلفة. 

لقاء مع الفنان: أكرم الحلبي - Features - Atassi Foundation

Akram Al-Halabi, Cheek, Digital Print on Paper, 2011-2013

في بعض الأماكن تظهر الأحرف العربية بمفردها بدلاً أن تكون متماسكة لتكوّن كلمة ، وهذا أمر مُربك قليلا.

نقرأ كل حرف على حدى، و في اللغة العربية ليس من المألوف قراءة الكلمات بهذه الطريقة ، فهذا شيء تجريدي ومتنافر كلياً . إن هذا يعكس الشعور الذي يتوّلد عند مشاهدة الأبنية والقرى المهدّمة. إن تبعثر الأحرف والكلمات العربية فوق الصور يشير إلى الدمار الظاهر في الصور ذاتها. ومثلما تبدو بعض الكلمات على شكل شظايا أو أشياء مكسورة، هنالك أيضا بعض الأماكن حيث تصطف الكلمات حول النوافذ والبيوت.  في تلك الأماكن تصبح الكلمات أحجار بناء، هي فرصة لإعادة بناء ما تهدّم. 

 ما هو مدى ارتباط النص المتكسّر أو اللغة المتكسّرة بمسائل أكبر بالنسبة لك؟

كثير من الناس في يومنا هذا يستخدمون الكلمات الإنكليزية بدلاً من العربية وهذا جيّد ولكن بذلك لا تحرز لغتنا أي تطوّر.  كم من المرات كنت أحاول أن أقوم ببحثٍ ما في "ويكيبيديا" وأجده غير واردٍ باللغة العربية؟ نحن لا نشارك بالعربية بما فيه الكفاية ، لذا نعود إلى الإنكليزية. حتى أنا أعود إلى الإنكليزية، لأنها لغة عالمية.  على ضوء ذلك، أستخدم العربية كرمزٍ للهوية والمكان: لقد قمت بتفكيك الكلمات العربية في أعمالي لتكون إنعكاساً لِتفكك المكان والثقافة.

أخبرني عن سلسلة « النص البصري »  المتفرعة من «خــد » التي يوجد فيها العنصر النصّي فقط دون الصورة

بعد أن عرضت «خد» ،وصلتإلى مكانٍ شعرت فيه بأنّني قد اكتفيت.  لم أعد أستطيع النظر إلى تلك الصور المروّعة.  فحذفتُ الصور وبقيت بمفردها هذه الكلمات التي اتّخذت حياة لنفسها وأصبحت شعراً بصرياً. أصبحت الكلمات ذكرى للّذي كان: ذكرى أجساد. 

لقاء مع الفنان: أكرم الحلبي - Features - Atassi Foundation

Some of the people out of the 800 or so who participated in Akram al-Halabi’s ‘Snowflakes’ project – 2009-2012 (Courtesy of Akram al-Halabi). 

دعت« ندفة ثلج » الناس لتعريفأنفسهم  في لحظة لقائهم مع بعضهم البعض. ما هو الهدف من هذا المشروع؟

بينما كان مشروع «خد» يتناول المجزرة في سوريا، كان «ندفة ثلج» عني أنا. عندما وصلت إلى فيينا في المرة الأولى، واجهني سؤال: كيف أعرّف نفسي؟  أنا من هضبة الجولان وهي أرض سورية تحت سيطرة الإحتلال الإسرائيلي ، إذاً نحن دون دولة من دون جنسية. في وطني، لا يكترث أحد لهويتي لأننا جميعاً من المكان نفسه، ولكن عندما نسافر، يجب علينا أن نشرح هذه الحالة مراراً وتكراراً، كما أن الحصول على تأشيرة ليس أمراً يسيراً.  لذا عندما التحقت بأكاديمية الفنون الجميلة في فيينا فكّرت كيف سأشرح كل هذه الأمور، قصة حرب الأيام الستة وما إلى ذلك. لماذا أنا شخص «غير معرّف»؟ ولماذا يتوجب عليّ أن اشرح ذلك لكل شخص أقابله؟ لمَ لا يشرح هؤلاء الأشخاص عن أنفسهم بدلاً منّي؟

هل كان إشراك الناس في المشروع أمراً صعباً؟

لم يكن كذلك. لقد قابلت حوالي ثمانمائة شخص، من البندقية إلى فيينا وميونيخ و ستوكهولم و فلسطين و إسرائيل والجولان وغيرها. قدّمت إلى الأجانب ورق الكربون وطلبت منهم الكتابة عليه ليحتفظ كل منّا بنسخة.  فأصبح المشروع عملاً أدائيا ًمن خلال لقاء الكثير من الناس والتحدّث إليهم. 

ما هي بعض الملاحظات التي لفتت نظرك من خلال «ندفة ثلج»؟

في النهاية، الناس في كل مكان متشابهون. لدينا العديد من الصفات المشتركة ولكن كانت هنالك بعض الفروق البسيطة المثيرة للإهتمام. ففي البندقية على سبيل المثال، أجريتُ المشروع خلال البينالي. كان الناس منفتحين بشكل كبير. كنت قد قابلت ما لا يقلّ عن مئتين وسبعين شخصاً في غضون ثلاثة أيام فقط ، كان ذلك عدد ضخم. أجريتُ الكثير من الأحايث الشيّقة ولم يسألني أحد من أنا أو من أين أتيت.  كانوا بالفعل مهتميّن بالفكرة نفسها وداعمين لها. أما في القدس، فقد كان الناس أكثر تحفّظاً ، كانوا يسألونني عن إسمي وديني وجنسيتي. أعتقد أن الناس بحاجة إلى الشعور بالأمان والتأكّد من شخصية هذا الغريب قبل أن ينخرطوا بالتفاعل معه.  ومن أصل 70 شخصاً قابلتهم في القدس وافق الثلث منهم فقط على المشاركة. وأنا أحترم ذلك كلياً. لكل مجتمع طريقة مختلفة في التواصل ، وخصوصاً في ضوء المشاكل السياسية المحلية والإنقسامات.

لقاء مع الفنان: أكرم الحلبي - Features - Atassi Foundation

Akram Al-Halabi, Cheek, Digital Print on Paper, 2011-2013

 

ماذا كشفت « ندفة ثلج» وتجربتك مع كل هؤلاء الأشخاص؟

بالرغم من الدلالات الإجتماعية المختلفة، أشعر بأنه ليس لدى الناس أي تعريف جغرافي فعلي. سواء اخترنا أن نعرّف أنفسنا كأوستراليين أو نمساويين، إسرائيليين أو سوريين، في النهاية عندما جمعت كل تلك الرسائل في رسالة واحدة، بدا كأنّه لدينا نفس الهوية ونفس الصوت. وأنا مهتم بفكرة الوحدة هذه. 

كيف هذا؟

أتساءل عن الشيء الذي يوحّدنا ، كيف نتجاوز المناطق الجغرافية عندما نرى الصفات المشتركة بيننا بالرغم من الفوارق. أود أن أبحث في هذه المسألة أكثر خصوصاً مع دور الانترنت اليوم. 

وماذا عن دور التجهيز الفني في عملك؟   

لقد قمت بمعارض جمعت فيها الكثير من العناصر المتباينة لكي أخلق شيئاً جديداً. مثلاً، الرسوم التي عملت عليها مؤخراً اعتمدت على مصادر مختلفة، من قصاصات الأوراق إلى الصور.  ثم، على نطاق أوسع، قد وجدتُ أنه من المجدي جمع أجزاء متنوعة من أعمالي في فضاء العرض.  يثير اهتمامي ذلك العنصر المفاهيمي، كيف يمكنني جمع رسومي التشخيصية والواقعية مع مشاريع مثل «ندفة ثلج»، والتصوير مثل «خد»، في تركيب واحد ، إذا جاز التعبير.  هذا أشبه بإنشاء عمل جديد بالكامل باستخدام أعمالي الأخرى. 

 

ما هي أهمية المُشاهد بالنسبة لك في سيناريوهات كهذه؟ 

أهمية كبيرة. أفكّر في الجسد الذي يتحرّك في المكان وأيضاً كيف تتفاعل هذه الأجساد مع الأجساد في أعمالي. أليست مواجهة لوحة أو بورتريه كمقابلة «شخص» ، على نحو ما؟ أو النظر إلى صورة تتحرّك، ربما في عمل تجهيز، ألا تمتلك هذه الصورة شخصيتها الخاصة؟  وكما شعرت بأن جمع العنصر التصويري مع المكتوب في «خد» تولد منه فكرة ثالثة جديدة، أشعر أيضاً بأن جمع عناصر مختلفة في تركيب مفاهيمي يخلق فكرة ثالثة. وهذا يشبه تكوين شخصية جديدة يمكن للمشاهدين مقابلتها واستكشاف الأفكار التي كنت أقوم بتحليلها في عقلي من خلالها.