المؤتمنون على الثقافة: خالد سماوي متحدثاً عن تطور ومستقبل مجموعة سماوي الفنية

 

تأسست "غاليري أيام" عام 2006 في دمشق على يد خالد وجهينة سماوي، وبعد ذلك بسنتين تم افتتاح فضائي عرض واسعين تابعَين لها في دبي داخل مُجمَّع السركال أفينيو ومركز دبي المالي العالمي. بدأ الزوجان جمع الأعمال الفنية إبّان انتقالهما إلى دمشق عام 2001 وانخراطهما في المشهد الفني المعاصِر، وبرزت عندها فكرة افتتاح دار للأعمال الفنية. سرعان ما رسّخت "غاليري أيام" مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي بهوية تجمع بين الترويج لفن الشرق الأوسط لدى الجمهور العالمي من خلال الأنشطة التجارية التي تقوم بها، ودعم الفنانين عبر مبادرات مثل برنامج "شباب أيام" للفنانين الصاعدين وإصدار مطبوعات وإطلاق برامج تعليمية وإقامة مزادات خيرية. 

وإلى جانب التطوُّر الذي شهدته "غاليري أيام"، توسّعت "مجموعة سماوي" التي تضمّ حالياً أكثر من 3 آلاف عمل جمعها كلٌّ من جهينة وخالد ونسيبه هشام. وباعتبارها واحدة من أكبر المجموعات الخاصة المكرَّسة للفن الحديث والمعاصِر العربي والإيراني والتركي، وتضمّ أعمالاً لفنانين من دول بعيدة كالصين وبيلاروسيا، تنطوي على تنوُّع كبير "يشمل أنواعاً فنية عديدة مِن أعمال مشحونة بمضامين سياسية إلى لوحات ومنحوتات أصبحت جزءاً أساسياً من المشهد الفني العالمي بتبنيها لمقاربات تكنولوجية فريدة".

وبينما تم عرض مجموعة مختارة منها، إلا أنه لا يوجد حتى الآن مقر دائم لمجموعة سماوي. يتحدث خالد سماوي لـ"المجلة" عن تأسيس المجموعة، وعن نقاط التقاطع والاختلاف بينها وبين الممارسات الفنية للغاليري، والمسؤولية التي يضطلع بها رعاة الفن وعرَّابوه في حفظ وعرض الأعمال المؤتمَنين عليها.

المؤتمنون على الثقافة: خالد سماوي متحدثاً عن تطور ومستقبل مجموعة سماوي الفنية - Features - Atassi Foundation

غاليري أيام في دمشق

 

كيف تتقاطع نظرتك في جمع الأعمال مع الرؤية الفنية للغاليري؟ أيهما يحتلّ الأولوية؟

خالد سماوي: بدأتُ مع جهينة بجمع الأعمال الفنية السورية وغير السورية عندما كنا لا نزال مقيمين في أوروبا قبل أن تظهر فكرة تأسيس غاليري. إبّان انتقالنا عام 2001 إلى دمشق التي أقمنا فيها على مدى السنوات الخمس التالية، بدأنا نجمع أعمالاً لفناني الحداثة مثل لؤي كيالي وفاتح المدرِّس. خلال تلك الفترة، تعرّفنا كذلك على فنانين معاصِرين، ومن خلال دعمهم والصداقات العديدة التي نشأت، وُلدت فكرة تأسيس "غاليري أيام".

لا بدّ وأن هذه الصداقات منحتكم نظرة فريدة من الداخل على التحديات التي تواجه الفنانين السوريين، وخلال العَقد الماضي على وجه الخصوص. كيف يمكن لجامع الأعمال الفنية أن يدعم الفنانين السوريين المعاصرين بشكل يعود عليهم بالفائدة على المدى الطويل؟

أعتقد أن شراء أعمالهم هو أمرٌ يُشكِّل بداية ممتازة. وإلى جانب ذلك، أعتقد أن على عاتق جامع الأعمال الفنية مسؤولية إضافية تتمثل بالترويج للفنانين الذين يقتني أعمالهم. نلحظ ذلك لدى الكثير من المشترين الأجانب الذين يصطحبون أصدقاءهم إلى الغاليري، ويساعدوننا في تحديد أعمال الفنانين الذين يحبونهم ويجمعون نتاجهم الفني. نلحظ ذلك بمستوى أقل بكثير لدى جامعي الأعمال من الشرق الأوسط، الذين يميلون إلى الطابع الخاص أكثر [في مقاربتهم لمجموعاتهم].

كيف تم تأسيس مجموعة سماوي؟

قمتُ أنا وزوجتي باختيار وتنسيق معظم أعمال المجموعة. فبعد 30 عاماً من الزواج وجمع الأعمال الفنية طوال هذه المدة، تكوَّنت لدينا دراية جيدة بالأعمال التي تُشكِّل إضافة للمجموعة على المستوى الجمالي. العامِل المشترَك الذي يربط بين معظم الأعمال هو أنها تجسِّد حِراكاً بشكل أو بآخر. فأنا وجهينة نميل للفن الذي ينطوي على رسالة قوية، سواء كانت تتمحور حول حماية البيئة أو حقوق الإنسان. ولربما يمكن اختزال ذلك بكون التعبيرية تُمثِّل القلب النابض للمجموعة، بغض النظر عن أصول الفنان.

ما هو التقاطع القائم بين نطاق عمل الغاليري ومجموعة سماوي؟

الاهتمام بالجانب الجمالي والفلسفة متشابهان للغاية. إلا أن هناك اختلافاً جوهرياً بأن الغاليري تُمثِّل الفنانين وتنخرط بدرجة كبيرة في تطوُّر والاهتمام بمصلحة أولئك الفنانين وعائلاتهم. تتعامل "غاليري أيام" بشكل شبه حصري مع فنانين تحوَّلوا إلى أصدقاء، ولا تتعامل مع السوق الثانوي أو أعمال فناني الحداثة. هناك جانب إنساني ضخم إلى جانب البُعد الفني. ومن جهة أخرى، مجموعة سماوي تتمحور حول الفن أكثر من الفنان، إن جاز القول.

المؤتمنون على الثقافة: خالد سماوي متحدثاً عن تطور ومستقبل مجموعة سماوي الفنية - Features - Atassi Foundation

غاليري أيام في دبي

 

ما هي الغاية من تكوين وتوسيع مجموعة سماوي؟ ما الذي جعل هذا الأمر مهماً بالنسبة لك؟ بالنظر إلى أنك كنتَ تملك غاليري ناجح على المستوى العالمي، ما هو البُعد الثقافي للمجموعة بالنسبة لك؟

في بادئ الأمر يستهلّ جامع الأعمال الفنية تكوين مجموعة – عبارة عن توليفة مُتَّسِقة من الأعمال يرغب بمشاركتها مع الآخرين وعرضها، على عكس جمع الأعمال بغية إمتاع الذائقة الشخصية – لتلبية الرغبة بتقديم إضافة على المشهد الثقافي. وفي حالتنا، حافظت المجموعة على مسار تطوّرها، وكنتُ أنا وجهينة نطرح على أنفسنا أسئلة من قبيل: ما هي الأعمال الفنية التي سترتقي بالمجموعة، وتُشكِّل إضافة للحوار القائم بين الفن والفنانين الممثلين فيها أصلاً؟ ما هي الرسالة التي يقولها العمل، وهل لها صدى ضمن المواضيع المطروحة في المجموعة؟ وهل لها صلة بالواقع الراهن؟ ومن ثم، وبينما تبدأ المجموعة بالنضوج، تصبح الأسئلة أكبر: ماذا نفعل بالمجموعة وما الذي تشمله؟ وما هي القيمة التي تضيفها على المشهد الثقافي والإنساني؟

هناك بطبيعة الحال قيمة مالية للمجموعة بحدّ ذاتها؟

بالتأكيد، ينتمي الفن إلى فئة الأصول طويلة المدى التي تتوارثها الأجيال. وهو ليس بأي حال من الأحوال استثمار ينطوي على مضاربة، ولكن مِن الأصول الهامة ذات القيمة المادية والثقافية وأحد أشكال التنويع على مستوى حافظة الثروة. ومع ذلك، يجب أن يكون الاستثمار المالي آخر عنصر يُفكِّر به جامع الأعمال الفنية عند شرائها: فالقيمة الجمالية والثقافية تتجسَّد بالعائد المباشر والدائم.

أشرتَ إلى الأسئلة المتزايدة التي تطرحها على نفسك مع توسُّع مجموعة سماوي. ما هو مستقبل المجموعة؟
لديّ حلم بناء متحف أو مؤسسة تحتضن المجموعة وتعرضها بشكل دائم. إني على قناعة بأن ذلك حلم سيتحقق.

ما الذي يحول دون ذلك؟

السؤال الأكبر في هذه المرحلة يتعلّق بموقع المتحف أو المؤسسة. أعتقد أني سأترك هذه المعضلة ليحلّها أبنائي! 

يقودنا هذا للسؤال الأخير: في أية مرحلة يضطلع جامع الأعمال الفنية بمسؤولية نقل مجموعته من الحيز الخاص للعام؟ وهل هناك مِثل هذه المسؤولية أصلاً؟
يتمتّع جامع الأعمال الفنية بامتياز ويضطلع بمسؤولية الاعتناء بما في عُهدته من أعمال فنية. فهي مُلك للعامة، ولن تكون ضمن مجموعة خاصة إلا لفترة قصيرة في التاريخ الطويل والمستقبل المديد لأي عمل. ما مِن جامع أعمال فنية سيُعمِّر أكثر من مجموعته. ولذلك طالما كان ذلك الشخص على قيد الحياة، فهو مجرّد وصيٍّ وأمين [على المجموعة]. تلك هي قناعتي.